الحدود البيلاروسية البولندية.. صراع جديد بين أوروبا وروسيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك اتفاق بين الجميع في الاتحاد الأوروبي، على أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تطرق أبواب دول الاتحاد، هي «عَرض» لـ «مَرض»، وأن التخلص من الأمراض السياسية التي بدأت مع الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وتداعيات ما يسمى بالربيع العربي، هي البداية الحقيقية لمعالجة قضية الهجرة غير الشرعية، لكن تدفق المهاجرين بشكل غير مسبوق، عبر مسار طويل وصعب وخطر، هو مسار الحدود البيلاروسية مع بولندا ولاتفيا وليتوانيا، دفع الدول الأوروبية لاتهام بيلاروسيا، ومن خلفها روسيا الاتحادية، بإشهار «ورقة اللاجئين»، كورقة سياسية في وجه الاتحاد الأوروبي، الذي يرفض حتى الآن الاعتراف بشرعية حكم الرئيس البيلاروسي، منذ إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في 20 أغسطس 2020، وفاز فيها الرئيس ألكسندر لوكاشينكو، وتستند الدول الأوروبية إلى الأرقام في اتهاماتها لبيلاروسيا، حيث قال الاتحاد الأوروبي إنه في عام 2020، وصل إلى حدود الاتحاد 150 لاجئاً فقط، بينما وصل العام الجاري نحو 10 آلاف مهاجر، غالبيتهم حصلوا على تأشيرة دخول من مينسك، واستقلوا طائرات هبطت في بيلاروسيا، فما أبعاد هذه الأزمة؟ وكيف للاتحاد الأوروبي أن يتعامل معها؟

كسر العظام

رغم أن بولندا كانت مقراً لحلف وارسو، بقيادة الاتحاد السوفييتي، طوال سنوات الحرب الباردة، إلا أن العلاقة اليوم بين وارسو وموسكو، في أسوأ حالاتها، وتقود بولندا الجناح الشرقي في الاتحاد الأوروبي، في كل المواقف المتشددة ضد روسيا، كما أن بولندا أكثر دول الاتحاد الأوروبي، التي تنفق على التسليح، مقارنة بالدخل القومي، وتشتري بولندا صواريخ وطائرات أمريكية، وتشترك مع رومانيا في استضافة «الدرع الصاروخية» الأمريكية، الموجهة بالأساس ضد روسيا، وأكثر ما يغضب روسيا من بولندا، هو قيادة وارسو للجبهة الأوروبية ضد مشروع نقل الغاز الروسي «نورد ستريم 2»، الذي ينقل 55 مليار متر مكعب من الغاز إلى أوروبا وألمانيا، وينتظر الموافقة على تشغيله من السلطات الأوروبية، وفيما ترى بولندا، أن الخلاف الجاري مع بيلاروسيا وروسيا حول أزمة اللاجئين، يعزز رؤيتها التي تقول بأن أموال أوروبا لا يجب أن تذهب للدب الروسي، ترى روسيا، ومعها بيلاروسيا، أن الأزمة قد تسرع من موافقة الأوروبيين على ترخيص ضخ الغاز في «نورد ستريم 2»، لتفادي أزمة لجوء كبيرة، مثل تلك التي حدثت في 2015، ناهيك عن تهديد الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، علانية، أنه قد يقطع الغاز عن أوروبا، حال فرض حزمة جديدة من العقوبات الأوروبية على بلاده.

السيناريو الأوكراني

وتعيش بيلاروسيا، حالة تشبه الحالة الأوكرانية، من حيث انقسام الشارع والنخبة السياسية تجاه مشروعين، الفريق الأول يفضل الانحياز لروسيا والتقارب معها، وهو ما يقوده الرئيس لوكاشينكو، بينما فريق المعارضة، يدعم التوجه الغربي والأوروبي، ويعارض هذا الفريق بشدة، ما تسمى باتفاقيات الوحدة والتكامل بين روسيا وبيلاروسيا، التي وقعها الرئيس بوتين، ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، في 10 سبتمبر الماضي، ويقولون إنها تلغي وتهدم السيادة البيلاروسية، وهي اتهامات تنفيها بقوة حكومة مينسك.

حلول

المؤكد أن 10 آلاف مهاجر لا يشكلون مشكلة كبيرة لدول الاتحاد الأوروبي، التي يبلغ عدد سكانها 500 مليون نسمة، وسوف تعاني من تراجع عدد السكان بنسبة 5 %، حتى نهاية القرن الجاري، لكن المشكلة الأكبر، هي المخاوف الأوروبية من أن تتحول الاستجابة لمطالب اللاجئين، إلى ورقة مساومة في المستقبل، وهذا هو السبب في ظهور موقف أوروبي متماسك وقوي، لأول مرة، في قضية اللاجئين.

Email