العراق.. وصناع الفوضى

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أقذر السيناريوهات في تغطية فشل سياسي هو أن يقرر الفاسدون إحراق البلد من أجل تغطية فضائحهم أو ما يعرف بسياسة «حرق المعبد» ومن فيه. ولكن عندما يفشل السيناريو ينفضح أمرهم ويتحول الأمر كارثة سياسية بالنسبة لهم لأنه لم يعد بالإمكان طمس الحقيقة، لهذا نرى كل هذه التحركات الداخلية والخارجية لمن يدور حولهم الشك لتبرئة مواقفهم من المحاولة الفاشلة.

لا تختلف محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الرجل الذي يعمل بحس وطني وإنساني أثبت ذلك لكل المراقبين، بما فيهم المختلفون معه عن محاولة اغتيال العراق الدولة الذي بدأ يسترجع شيئاً من سيادته الوطنية ودوره الحضاري التي فقدها نتيجة لوجود ميليشيات طائفية قبلت أن يكون ولاؤها للخارج وتدار من خلال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، الذي تبرأ من أن يكون على علم بلاده بالمحاولة بل أبدى استعداده للتعاون في التحقيقات.

قد يستغرب بعضهم في الربط بين محاولة اغتيال الكاظمي باغتيال الدولة العراقية لكن لو تتبعنا حلقة الوصل بينهما سنجد أن المستفيد من أي عملية لفوضى العراق واغتيال شخصية سياسية بحجم رئيس الحكومة سنجد أنه هو نفس المجرم الذي يجد في الفراغ الأمني والسياسي فرصة لتحقيق أهداف التنظيم الذي يمثله أو من يتبع له في الخارج. صحيح أن كل القوى السياسية أدانت محاولة الاغتيال يوم الأحد الماضي لكن من حيث الاستنتاج المنطقي هناك عنصران يقربان الشك حول بعضها. العنصر الأول: أن المتضررين من سياسات الكاظمي سواءً في الداخل أو الخارج هم كذلك أدانوا المحاولة رغم أن البعض منهم وجه له تهديدات خطيرة وكانوا مستعدين لبيانات التأبين كما هم الآن يعلنون بيانات الإدانة فالمحاولة تحتاج إلى السيناريوهين لأنهما ضرورة لكل الفاسدين والمنفلتين.

الاستنتاج الثاني: له جزئيتان اثنتان إحداهما أن الذي يملك الوسيلة المستخدمة في محاولة الاغتيال وهي طائرات «الدرونز» معروف تاريخهم ومعروف الجهة التي تزودهم بهذه الوسيلة. الأخرى أن تاريخهم في الاختلاف يؤكد أنهم يذهبون إلى القتل بأي وسيلة يمتلكونها وإلى تدمير البلد للوصول إلى الحل الذي يعتقدون أنه الأنسب لهم، لذلك فإن سيناريو هؤلاء حاضر في أذهان المراقبين حتى لو تهربوا من الفرضيات المرسومة عليهم.

صحيح أن الكاظمي قام (ببعض) التغيير في مكانة العراق السياسية والأمنية من إعادة التهدئة بين واشنطن وطهران المتنافسين على النفوذ في العراق، ومن حيث إحياء الكثير من المشاريع التنموية والآمال التي لم ترضِ الأغلب من العراقيين، لكن هذا التغيير البسيط يحمل مؤشرات إيجابية يستشعرها أعداء استقرار العراق وأمن شعبه وقد بدأت تلك المؤشرات تظهر بشكل عملي في الانتخابات التشريعية الأخيرة ومن خلال ثورة التشرينيين وعليه فإن التخلص من الكاظمي ومن يملك رؤيته وارد لأن ذلك يعني: الخلاص من هزيمتهم التي ستحصل فعلاً.

إن المشكلة الحقيقية هي أن الخلاف مع الكاظمي من قادة «الحشد الشعبي» تحول إلى حقد وعداوة شخصية بشكل صريح وواضح كأسلوب لحل الخلاف مع أن الأمر قد يؤدي إلى حرب أهلية ولكن الأمر لا يبدو مهماً لهم لأن استقرار العراق آخر أولوياتهم. فهم لم يهتموا يوماً بمصلحة العراق ولا شعبه طالما ضمنوا الاستمرارية في الحكومة ولكن عندما يطول الأمر ليهدد مستقبلهم السياسي فلا شيء يقف أمامهم.

الكل في العراق ينادي بالإصلاح ومحاربة الفساد بكافة أنواعه لأنه السبب الرئيسي لكل ما يحدث فيه، وخلال الـ 18عاماً الماضية لم يجرأ أحد على مواجهة الفساد إلا الكاظمي الذي كانوا يعتقدون أنه الأضعف كونه لا ينتمي إلى حزب سياسي ولكنه رهانه واستناده إلى الشعب العراقي وإلى محبي السلام والاستقرار تحول لأن يكون هو الأقوى وطنياً لذلك نرى حجم ردود الفعل الدولية وحتى الشعبية من المحاولة الفاشلة وبالتالي فهو اليوم أصبح الأيقونة لاستعادة العراق لدوره الحضاري.

راكم صناع الفوضى في العراق غضب الرأي العام العالمي والعراقي ضدهم، حتى حليفهم الإيراني تخلى عنهم لأنهم فاشلون ومهزومون بل إن الكاظمي حولها إلى انتصار جديد وأكد أن المستهدف ليس شخص الكاظمي وإنما أمن العراق الذي هو أمن العالم والإنسانية وهذا هو الأدق.

 

* كاتب إماراتي

Email