حين طلع نجم زايد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في تدوينة بديعة الصياغة والمحتوى والتوقيت، ألقى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، ضوءًا كاشفًا على واحدة من أعمق اللحظات التاريخية تأثيراً في نشأة الدولة وبزوغ نجم الوطن، حين كتب تدوينة رائعة حول المسيرة السياسية لصاحب الذكرى الطيبة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان ضمن وسم الومضات القيادية التي يطالعنا بها صاحب السموّ بين الحين والآخر، ويتغيّا من خلالها إنعاش الذاكرة الوطنية بسيرة المؤسسين الكبار، فضلاً عن حرصه على ضخّ مزيد من الدماء في عروق أبناء الوطن لمواصلة مسيرة النهوض بهذا الوطن الذي يستحقّ كل محبة وولاء وانتماء.

في هذه الومضة التاريخية الثمينة يتوقف صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد عند اليوم الأغر في التاريخ السياسي للشيخ زايد الواقع في السادس من أغسطس من عام 1966م حين اعتلى الشيخ زايد سُدّة الحكم في إمارة أبوظبي كُبرى إمارات الاتحاد، وكان ذلك الحدث هو التمهيد الأكبر للعمل الدؤوب الحثيث من أجل توحيد جميع الإمارات، وإعلان الاتحاد الذي سيحتاج إلى خمس سنوات من العمل الشاق ومواجهة الصعوبات والتحديات في وجه قيام هذا الحلم الأكبر الذي كان الهاجس الأكبر للشيخ زايد رحمه الله، وخفّف الله عنه أعباء هذا الحمل الثقيل حين شاركه في التصميم على تحقيق هذا الحلم طيب الذكرى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم رحمه الله حاكم دبيّ، فالتقت الإرادتان وتوحّد الساعدان، وبدت ملامح الاتحاد تلوح في الأفق حتى تمّ تحقيق المراد، وبزغ نجم الدولة في سماء العروبة والإسلام.

وكان صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد قد استعرض المسيرة السياسية للشيخ زايد رحمه الله، حين كتب في وداعه، رحمه الله، فصلاً رائعاً في سيرته الذاتية ( قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) حيث جعل القصة الخامسة والأربعين بعنوان «رحيل زايد» عبّر فيها عن محبته الكبرى لهذا القائد الملهم والمعلم الكبير والشيخ الجليل، وكان مما قاله هناك في الدلالة على شجاعة الشيخ زايد والتفاف القلوب حوله في مرحلة مبكرة من شبابه الجميل حيث قال: «حكم زايد العين منذ العام 1946م عندما كان عمره 28 عاماً فقط، أحبّته القبائل واجتمع حوله الرجال، وبدأ مسيرته من قلب الصحراء، حفر الآبار مع البدو، وشقّ الأفلاج معهم بنفسه، أحبّه الناس هناك لأنه كان يأكل معهم على الأرض، ويحاورهم ويشاورهم ويعمل بيده معهم، ومن بساطة العين انطلق زايد في مسيرته من غير تكبر أو غطرسة مصطنعة، فنجح في ترسيخ حكمه وحكمته عبر أكثر من نصف قرن وهبها لبلده».

واليوم يلقي صاحب السموّ الضوء على مرحلة حكم أبوظبي التي كانت هي النقلة الحاسمة في مسيرته في الحكم، فيغرس في وجدان الأجيال تلك اللحظات التاريخية التي كانت سببًا مباشراً في نشوء دولة الإمارات العربية المتحدة.

(اليوم السادس من أغسطس 1966، لم يكن يوماً عاديًّا في منطقتنا، بل يعادل في أهميته الكبيرة قيام دولة الإمارات، فوصول الوالد الشيخ زايد إلى سُدّة الحكم في أبوظبي يعني بداية فجر جديد وواقع جديد )، بهذه العبارة المفعمة بالفخر والإحساس العميق بقيمة التاريخ في بناء الدول افتتح صاحب السمو هذه التدوينة الثمينة التي كتبها على حسابه في إنستغرام لكي يضيء تلك اللحظة الحاسمة في مسيرة بناء الدولة، والتي تحمّل الشيخ زايد العبء الأكبر في إنجازها، فذلك اليوم لم يكن يومًا عاديًّا في تاريخ منطقتنا بل هو يوم فارقٌ ترتّب عليه نشوء دولة، وصياغة هوية وطنية لشعب عريق عاش في قلب الصحراء، وكافح من أجل الحياة الكريمة، فكان وصول الشيخ زايد، رحمه الله، إلى تسلّم مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي معادلاً تاريخياً لنشأة الدولة لأن فكرة تشكيل الاتحاد انبثقت في تلك اللحظة التاريخية المتوهّجة بالعزيمة، ولم يخيب الشيخ زايد الآمال المعقودة عليه بل انطلق مثل حصان جامح يسابق الريح في سبيل إنجاز الحلم، فكان ذلك الحدث بداية الفجر الجديد الذي طلع على أرض الصحراء الغافية في جنح الليل، فانتهضت العزائم مع هذا الفارس القيدوم، وتشكّل واقع جديد فرض نفسه بالعمل الحكيم، والعزيمة القوية، والإصرار على تحقيق حلم راود الرجال الكبار حتى تجسّد واقعاً ملموساً في قيام هذه الدولة التي تلقاها الأشقاء والأصدقاء بكل محبة وحفاوة وتقدير واحترام.

(ولعل وصول الشيخ زايد إلى حكم إمارة أبوظبي كان من أكبر المنعطفات في تاريخ المنطقة، ولولا الشيخ زايد ما قامت دولة الإمارات)، وتزداد الومضة تأكيداً على الدور العظيم للشيخ زايد في قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، فصاحب السمو يؤكد أن تسلّم الشيخ زايد لمقاليد الحكم في إمارة أبوظبي كان واحدًا من أكبر المنعطفات في تاريخ المنطقة، ويعني بذلك ما نجم عنه من الآثار الحميدة والنتائج الكبيرة التي تجسّدت أخيراً في هذا الوطن الذي نفتخر بالعيش في ظلاله، وننعم في رحابه بأرقى أنواع الحياة، حيث نتعلم من قادتنا معنى الوفاء لجيل الرواد الكبار الذين سهروا كثيراً من أجلنا، وأنكروا ذواتهم في سبيل مصلحتنا، وفي طليعتهم طيب الذكرى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان، رحمه الله، الذي تجذّرت محبته في قلوب جميع أبناء الوطن الذين يردّدون مع صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد صاحب الخلق الكبير والوفاء النادر حين يقول: «ولولا الشيخ زايد ما قامت دولة الإمارات» فرحمة الله على تلك الروح النبيلة التي غادرتنا بشخصها وظلت خالدة فينا بمعناها وسيرتها وعظيم تضحياتها.

Email