الاتحاد الأوروبي والعقد السياسي الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

حالة من «عدم اليقين» السياسي والاقتصادي يمر بها الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة يعيش فيها 450 مليون نسمة، نتيجة مجموعة من الخلافات والاختلافات الداخلية فاقم منها قرب رحيل «صوت الحكمة الألماني» الذي تمثله المستشارة أنجيلا ميركل، وعدم الثقة الكاملة بفوز الرئيس إيمانويل ماكرون في الانتخابات القادمة، ورحيل المستشار النمساوي سبستيان كورتز عن الحكم.

كما شكلت الخلافات القديمة الجديدة حول سياسات الهجرة أسباباً إضافية للخلافات الأوروبية الأوروبية نتيجة اتهام دول وسط وغرب أوروبا لما يسمى بدول البوابات (اليونان – إيطاليا – إسبانيا) بعدم الالتزام باتفاقية «دبلن» التي تقول إن اللاجئ يسجل في الدولة التي يصل إليها أولاً، وتتحمل هي وحدها مسؤولية التعامل معه.

كما ترفض بإصرار شديد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين طلب 12 دولة في الاتحاد من بينها النمسا وليتوانيا لتمويل الاتحاد بناء أسوار وطائرات مسيرة على حدودها لمنع المهاجرين، ناهيك عن الخلافات بين بولندا والاتحاد الأوروبي، ووجهات النظر المتعددة حول كيفية التعامل مع روسيا. فكيف يسير الاتحاد الأوروبي؟ وهل من عقد سياسي واجتماعي جديد يجدد الروح والالتزام بمواصلة مسيرة بدأت منذ أكثر من 70عاماً؟

قلق حول المستقبل

أكثر المؤشرات على جدية الخلافات الأوروبية هو القلق الشديد على الاتحاد، والذي عبرت عنه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال آخر ظهور لها في القمة الأوروبية بعد وقوفها ضد محاولة الاحتكام للمحكمة الأوروبية بين دول الاتحاد الأوربي وبولندا التي أصدر القضاء فيها قراراً يقول إن القوانين الوطنية البولندية «أسمى وأعلى» من القوانين الأوروبية، وهو ما يجهض عملياً فكرة العضوية في الاتحاد، حسب وجهة النظر الفرنسية والألمانية والهولندية والبلجيكية.

خيارات متباينة

ورغم إقرار كل دول الاتحاد بوجود أزمة في إمدادات الطاقة إلا أن هناك دولاً كثيرة خصوصاً في الجناح الشرقي من الاتحاد مثل بولندا ترفض فكرة التعاون مع روسيا في مجال استيراد الغاز عبر «خط نورد ستريم 2»، وترى هذه الدول في الغاز الروسي بأنه بمثابة «سلاح جيوسياسي» جديد بيد الرئيس فلاديمير بوتين، بينما دول مثل ألمانيا والنمسا ترى أن الغاز الروسي ضروري لتحقيق النمو في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، وبدأت تدور الشكوك حول رؤية الاتحاد السابقة التي تعامل بها طوال السنوات الماضية مع روسيا، والتي تقوم على مد يد التعاون لموسكو، وفي الوقت نفسه ممارسة الضغوط على الكرملين للالتزام بالحد الأدنى من المعايير الأوروبية، ولا يزال الخلاف محتدم حول طرح فكرة «القوة الأوروبية» المستقلة، ففي الوقت الذي تدفع فيه باريس وبرلين نحو هذه الفكرة يحذر آخرون من أن تؤدي للانقسام بين دول الاتحاد أو تضعف من العلاقة مع الناتو أو تثير المزيد من الخلافات مع الولايات المتحدة.

المؤكد أن الاتحاد الأوروبي الذي بدأ مراحل تأسيسه عام 1951 وتغلب على الكثير من المشكلات قادر على حل الخلافات الجديدة والبناء على ما تحقق للمواطن الأوروبي من مزايا لا يمكن التفريط فيها، لكنه يحتاج إلى قمة أوروبية خاصة لمناقشة كل الأسئلة المطروحة والتي تتعلق بجوهر وطبيعة وحدود العقد السياسي والاجتماعي الذي يربط الدول الأوروبية.

 

Email