القرار الصائب له مواقيته

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال النائب المجمّد سمير ديلو، وهو القيادي الإخواني المتمرّد على سلطة زعيم الجماعة في تونس، راشد الغنّوشي «إنه يعتقد أن الإسلام السياسي انتهى في تونس، ولم يعد له مستقبل»، وأضاف في تصريحه الإذاعي الجمعة الماضي، أنّ «مآل الأحزاب ذات المرجعيات الدينية، هو الفشل».

وقد يكون هذا الإقرار، ليس جديداً، ولكنّ أهمّية هذا الاعتراف، تكمن في كونه صادراً عن شخصية محورية في تنظيم النهضة، وهي شخصية تتمتّع بثقل خاصّ، يجعل من هذا الاعتراف بالفشل، دليلاً إضافياً على أنّ الأحزاب والحركات الإخوانية، وتلك التي تستند إلى مرجعيات دينية بصفة عامة، تتّجه إلى حتفها، وهي قطعت أكثر من نصف الطريق الذي يقودها إلى المهلكة والضياع.

ونعتقد أنّ مآل الحركات الإخوانية وحركات الإسلام السياسي عموماً، كما كلّ الحركات المتطرّفة والإرهابية من كلّ الاتجاهات، عرفت، وستعرف نفس المصير.

ولو دقّقنا في مسيرة هذه الجماعات، التي تُبنى على مطلق الحقائق، وتستند إلى التحدّث باسم الدين، لتأكدنا بما لا يدع مجالاً للشكّ، أنّها ظواهر أغلبها اصطناعي، وليست نتاج تراكمات مجتمعية داخلية، وحتى ما قد يتراءى للبعض بأنّه يمثّل حواضن شعبية لمثل هذه الجماعات المتطرّفة، فهي حواضن تآكلت، ولم تصمد أمام الاستحقاقات الانتخابية المتتالية، في عدد من الدول، ومنها المغرب وتونس وليبيا.

ويمكن القول إنّ جماعات «الإسلام السياسي» هذه، إن هي صمدت أو استمرّت في حُكْمِ أيّ بلد، فَقَدْ كان ذلك باليد الحديدية والقمع والتعدّي على الحرّيات وحقوق الإنسان، والترهيب الذي قد يصل إلى الإرهاب، ولكنّ في المقابل، تؤكّد أغلب التجارب أنّ المجتمعات التي ابتُلِيت بحُكْمِ هذه الجماعات، انتهت بلفظها كما يُلْفظ أيّ جسم غريب.

وتفسير ذلك، هو أنّ الأصل في الإنسان هو دوماً الحرية، ويبقى التعدّي على هذه الحريّة باسم بعض الحقائق المطلقة، التي تستند إلى توظيف للدين، أو إلى أيديولوجيات متطرّفة، هي في تاريخ الأمم والشعوب فواصل، حتّى وإن طالت، وهي استثناءات، ولو تكرّرت.

ولم تستطع جماعات الإخوان والإسلام السياسي عموماً، وفي كلّ الأحوال، التأقلم مع هذا الطبع البشري الميّال إلى الانطلاق والانعتاق والإبداع والحرية، التي هي قيم مستقبل الإنسان والإنسانية، وهي لذلك جماعات صحّ القول بشأنها، إنّها بِلا مستقبل، لأنّها اختارت سبيل تخريب الأوطان، والتصادم مع قيم الإنسان والإنسانية.

ولكلّ ما تقدّم، فإنّ تصريح القيادي الإخواني التونسي، سمير ديلو، يمكن اعتباره محاولة للقفز من مركب، تشير كلّ الدلائل أنّه غارق لا محالة.

وفي تونس، كانت عملية استئصال الورم الخبيث الذي اسمه «الإسلام السياسي»، في تعبيرته الإخوانية، تتمّ بخطى ثابتة، بُعيْد انتخابات أكتوبر 2011، التي أعطت السلطة لحركة النهضة الإخوانية، في غفلة من جميع الأطراف السياسية والحزبية، والتي انشغلت حينئذ بتمجيد ما كان يُعتقد أنّه ثورة لتحقيق الكرامة والحرية للمواطن والمناعة والسؤدد للوطن.

ولم تكتفِ النهضة الإخوانية بالوصول إلى الحُكْمِ، بل هي أمعنت في التمكّن من مفاصل الدولة والمجتمع، وتركت باقي الأطراف السياسية يتنازعون «شرف» مواصلة الثورة.

ولأنّ تونس لا تحتمل الهزّات والثورات الدائمة، كان مجتمعها يوفّر دائماً الشروط الموضوعية لتمكين الأطراف السياسية والحزبية من فرص العودة بتونس إلى جذورها الإصلاحية الحداثية، بعيداً عن أيّ تطرّف ومغالاة، غير أنّ هذه الأطراف السياسية والحزبية، لم تلتقط للأسف هذه الفرص، وهو ما مكّن النهضة الإخوانية من مواصلة هيمنتها على المشهدين السياسي والحزبي، رغم ضعفها، ورغم مظاهر التصدّع التي بدأت تلوح داخلها، وكذلك رغم اهتزاز علاقة الثقة بينها والمجتمع.

ولأنّ الحكومات المتعاقبة سارت في غير الاتجاه والأهداف التي يريدها المواطن، وكذلك بسبب عجز باقي الأطراف السياسية والحزبية، وسعيها المحموم إلى ربط خيوط التواصل والتوافق مع النهضة الإخوانية، بدل تفكيك منظومتها، تحرّك الشارع التونسي، وأخذ زمام المبادرة على الأرض، من أجل القضاء المبرم على المنظومة الإخوانية.

وكان تاريخ 25 يوليو 2021، الفرصة المتاحة لتحقق مطلب الشعب التونسي الأساسي، في دكّ أركان الحُكْمِ الإخواني، لولا التردّد الذي عقب الحركة التصحيحية، والذي فتح الباب مشرعاً لمختلف التدخلات الخارجية، تردّد لم يقبل به المجتمع التونسي، وتحديداً الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي وضع قواعد لو تمّ الالتزام بها، لتجنّبت تونس ويلات التدخلات الخارجية، ولقطعت بذلك خطوات حاسمة في وضع أسس المجتمع الجديد.

إنّ التاريخ يعلّمنا أن من لا يتقدّم، فهو يتراجع، وإنّ أكبر الضربات التي يمكن أن تصيب أيّ مشروع يُرادُ منه بناء الأوطان، هو التردّد والشعبوية، وعدم حسم الأمور في التوقيت المناسب.

* كاتب تونسي

Email