نقطة تحول مهمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما الرسالة الأساسية التي يمكن أن نفهمها من نتائج الانتخابات الأخيرة في العراق، وقبلها بأسابيع قليلة في المغرب، وقبلها في الشهور والسنوات القليلة الماضية، في غالبية بلدان المنطقة العربية، خصوصاً تونس والسودان، في ما يتعلق بالقوى السياسية التي صعدت، وتلك التي هبطت أو تلاشت؟!

أظن أن الرسالة المهمة التي بعثت بها شعوب المنطقة، هي أنها ترفض متاجرة بعض القوى والأحزاب والجماعات بالدين الإسلامي، وأن الشعوب سحبت الغطاء عن عدد كبير من هذه القوى، التي اعتادت المتاجرة بالدين في السنوات الأخيرة.

ومن الواضح أن ما كان يبدو مستحيلاً، قد تحقق بالفعل على أرض الواقع، وعبر صناديق الانتخابات، أو التدخل السياسي والشعبي، لتصحيح المسار هنا أو هناك.

النتائج المبدئية للانتخابات العراقية، التي جرت الأسبوع الماضي، يقول عنوانها الرئيس إن الأحزاب والقوى التي تراهن على الخارج، وعلى إعلاء فكرة الطائفة على حساب الوطن، قد تراجع دورها كثيراً، لمصلحة القوى التي ترفع شعار العراق وعروبته.

وهذه النتيجة، سوف تزعج كثيراً بعض القوى الإقليمية، التي اعتقدت أنها هيمنت على العراق، وربما المنطقة، بصورة كاملة، ثم استيقظت فجأة على وقع هذه النتيجة المدوية.

وإذا تم تأكيد هذه النتيجة، وجرى الاعتراف بها من قبل كل القوى السياسية، ولم تلجأ الأحزاب والقوى المتراجعة والخاسرة للعنف، فسوف تكون بداية تعافي العراق بصورة كبيرة، بعد الجهود المهمة التي بذلتها حكومة مصطفى الكاظمي، التي أشاد كثيرون بإدارتها الاحترافية للانتخابات البرلمانية الأخيرة.

هذه الرسالة، التي خرجت من أقصى شرق الأمة العربية الأسبوع الماضي، هي نفسها التي صدرت من أقصى غرب الوطن العربي، قبل نحو أسبوعين من المغرب، حينما جاءت نتيجة الانتخابات البرلمانية مفاجئة للجميع، حينما لقن الناخب المغربي، جماعة الإخوان، درساً قاسياً، وأزاحها من المركز الأول، التي كانت تحصل عليه منذ عام 2011، وفجأة صارت في المركز الثامن، مسجلة 13 مقعداً، بدلاً من 125 مقعداً.

رسالة الانتخابات المغربية، كانت واضحة، وهى أن المواطنين سئموا متاجرة الإخوان بالدين، وفشلهم في حل المشاكل الأساسية للمواطن المغربي، طوال عشر سنوات كاملة، كانوا يشكلون فيها الحكومة، ولم تكن لديهم حجة أو عذر.

نفس الدرس، لكن مع فارق الطريقة، صدر من تونس، بقرارات الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو الماضي، حينما قرر حل الحكومة الإخوانية، وتجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه، وقبل أيام، قرر تشكيل حكومة جديدة برئاسة نجلاء بودن.

قرارات سعيد، جاءت استجابة لمطالبات شعبية واسعة النطاق، بعد حالة الشلل السياسي غير المسبوق، الذي تسببت فيه حركة النهضة الإخوانية، بفعل تحديها للرئيس قيس سعيد، وتعاملها وكأنها هي التي تدير تونس، داخلياً وخارجياً، عبر رئيس الحركة، راشد الغنوشي.

«الإخوان» خرجوا أيضاً من السلطة في السودان، بفعل ثورة 19 ديسمبر 2018، حينما بدأت الاحتجاجات ضد نظام حكم عمر البشير، المدعوم بقوة من الإخوان، منذ 30 يونيو 1989.

وفى 6 أبريل 2019، تمكنت الثورة من عزل عمر البشير من الحكم، بعد أن انضم الجيش السوداني إلى الثورة، وهكذا بدأ تفكيك دولة الإخوان في السودان.

الإخوان أيضاً انهزموا في سوريا سياسياً وعسكرياً، بعد أن ظنوا أنهم قاب قوسين أو أدنى من تولى السلطة.

كما انهزموا في ليبيا أيضاً، في العديد من الاختبارات الانتخابية، لكنهم لا يزالون يرفضون الامتثال للمنطق والعقل ومصلحة الوطن، ويرفضون تفكيك الميليشيات العسكرية الطائفية والجهوية المدعومة من الخارج.

وتظل الضربة الكبرى التي تلقاها الإخوان، هي ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، حينما خرج ملايين المصريين، وأسقطوا دولة الإخوان، ما شكل رافعة معنوية لبدء التخلص من هذا التنظيم، وكل المتاجرين بالدين في بقية البلدان العربية.

ما حدث في الأيام الماضية، نقطة تحول مهمة، تبعث برسالة أساسية، عنوانها أن الشعوب العربية، وجهت الضربة الأكبر لكل القوى الظلامية المتاجرة بالدين. والأهم أن تستثمر القوي السياسية المدنية هذه الحالة، لتقديم نموذج حكم مدني مستنير وحداثي وعادل وتعددي، حتى يتم قطع الطريق على عودة هذه القوي المتطرفة مرة أخرى.

* رئيس تحرير صحيفة الشروق المصرية

Email