ملحمة المجد

ت + ت - الحجم الطبيعي

الملحمة الشعرية هي كتابة تاريخ الأمة من خلال قصيدة طويلة جدًّا ربما تبلغ آلاف الأبيات، والملحمة الحضارية هي كتابة تاريخ الأمة من خلال الإنجازات، والأمة السعيدة هي التي يجتمع لها نوعا الملحمة حين يقوم بكتابة تاريخها شعراؤها الأوفياء لهذا التاريخ، وحين يسطّر إنجازاتها أصحاب القرار فيها، وكم هي سعيدة بلادي حين يجتمع لها هذا النمط الفريد من المجد.

فيتصدى لكتابة تاريخها المجيد قائد شاعر عميق الإحساس بالفروسية القيادية والأخلاقية والشعرية، ذلكم هو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الذي نذر نفسه لكتابة تاريخ الوطن في كلا الاتجاهين، فهو القائد الباني الذي دوّن في صفحات المجد أروع معالم الإنجاز الحضاري، وهو الشاعر المجيد الذي نقش على صخرة الشعر أجمل الترانيم في حب الوطن والإشادة بمَجْدِه وإنسانه.

في هذا السياق المحتدم بالإنجاز والشعور العميق بالحيوية والعافية الحضارية بعد المواجهة الضارية مع جائحة «كورونا» والخروج بتمام العافية بحمد الله، وبعد النجاح المذهل في إقامة معرض إكسبو 2020 دبي، تحدث صاحب السمو بنبرة تفيض بالعزيمة والتصميم على حسابه في إنستغرام حول المسيرة المظفرة لرحلة الإنجاز في دولة الإمارات.

حيث أعاد التأكيد على قوة الإرادة في مواصلة المسيرة، وتحقيق كل الأحلام التي كانت في عداد المستحيل، ويطيب لي في هذه المقالة المتواضعة إلقاء بعض الضوء على الكلمات الثمينة لصاحب السمو الذي يحرص من خلال وسم «ومضات قيادية» على التواصل مع أبناء شعبه الذين يستلهمون رؤاه، ويجدون في كلماته خير مُحفّز لهم لمواصلة طريق البناء والإعمار في وطن يستحق منا كل بذل وعطاء بسخاوة نفس وعمق انتماء.

( قلت لكم في الماضي: إننا سننجح، وسنكتب لوطننا صفحات جديدة في ملحمة المجد والعِزّ) بهذه العبارة المفعمة بالتحدي يفتتح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حديثه عن مسيرة الدولة في الإنجاز المتميز.

مؤكّدًا على إنعاش الذاكرة بوعدٍ كان قد قطعه على نفسه بأنّ النجاح سيكون حليفنا في كل ما نتصدى له من أعمال، فالنجاح هو قدر الإنسان الإماراتي بحمد الله، وحين نتمعّن في مسيرة الخمسين عاماً الماضية وبكل حيادية وموضوعية نجدها قصة نجاح محفوفة بكثير من التحديات والتصميم على تجاوز العقبات، لكن ما أنجزته الإمارات في المرحلة السابقة من عمرها جدير بالتنويه والفخر والاحتذاء.

فقد وضعت نصب عينيها ومنذ مرحلة التأسيس أنّ الاستثمار الحقيقي سيكون في الإنسان وإطلاق قدراته المبدعة وعدم الركون إلى مصدر وحيد في الدخل هو النفط لنستسلم بعد ذلك للعجز والكسل وارتخاء المفاصل بانتظار ما تجود به علينا أرضنا المعطاءة من خيرات النفط، فالنفط نعمة نشكر الله عليها.

ولكن من تمام شكر النعمة توظيفها في الصالح العام، وصقل الروح العامة للإنسان، وعدم السماح إطلاقاً لمظاهر الترهل بالتسلل إلى بنية الدولة، لأن هذا هو الفقر المتخفي الذي سيظهر مثل الغول في لحظةٍ ربما كان الإنسان في غفلة عنها بسبب انشغاله بما بين يديه وعدم تبصره بحقائق الحياة وتقلبات الدهر.

ولم يكتفِ صاحب السمو بإنعاش الذاكرة بقدر النجاح، بل تدفقت روحه بالعزيمة القوية حين أكد أننا سنكتب ملحمة مجدٍ جديرة بالتدوين في صفحات المجد والعز من خلال التميز في كل ما تتصدى له الإمارات من مشاريع وإنجازات تجعل منها دولة قوية الحضور على المستوى العالمي، فمنذ فترة ليست بالقصيرة، تغير اتجاه التحدي والإنجاز في الدولة من أفق الإقليم إلى الأفق العالمي.

وهذا يعني الدخول في مسارات في غاية الصعوبة لكن الروح النشيطة لا تعرف التراجع فضلاً عن النكوص، فكان أن حققت الإمارات كثيراً من الإنجازات في كثير من المؤشرات التي جعلت منها دولة محترمة المكانة بين صفوف العالم المتقدم.

(وسنقدم لعالمنا البرهان على أننا قادرون على الفعل والحضور، وعلى التواصل والتفاعل والتعايش والتعاون مع الآخرين في كل الثقافات)، وفي هذا المقطع تزداد نبرة الثقة بالنفس قوةً وعمقاً وحضوراً، فالمسألة قد تجاوزت مجرد الوعود والأحلام والآمال لتصبح على محك الفعل الذي هو البرهان الحقيقي العملي لكل الأفكار المثالية، وحين يقول صاحب السمو (لعالمنا) فهو يستحضر الرقابة الإنسانية كلها على هذا الوعد من دولة لا يزيد عمرها الحضاري على نصف قرن، لكنها تقدمت بكل جرأة وبسالة لتنظيم أكبر معرض تشهده البشرية ويحتاج إلى بنية تحتية تنوء بحملها الدول الكبيرة القوية.

لكن الإرادة الجازمة لا تعرف المستحيل، فكان هذا التنظيم المدهش لمعرض إكسبو دبي الذي خطف الأنظار وسحر الألباب وأصبح حديث الوسائل العالمية بسبب ما توفر له من براعة التنظيم وفخامة الإعداد وروعة الأداء الحضاري المتميز الذي يليق بالوطن عموماً وبدبي على وجه الخصوص، حيث تجلت القدرة على الفعل أولاً باعتباره مفتاح كل إنجاز، ثم الحضور الفاعل القوي، ثم ما يترتب على ذلك من التواصل والتفاعل والتعايش مع جميع الثقافات التي جاءت بكل أطيافها إلى دبي تعبيراً عن المكانة العالمية لهذه المدينة الباهرة التي تحتل مركزاً مرموقاً بين حواضر الإنسانية الكبرى.

(نعم، كما نجحنا في الماضي، سننجح في المستقبل)، وبهذه العبارة المملوءة باليقين والثقة، ختم صاحب السمو حديثه الرائع عن روح الوطن الكبرى التي تبذل كل غالٍ ونفيس في سبيل مواصلة النجاح في جميع الأزمنة لأن النجاح فضلاً عن التميز هو الخيار الذي اخترناه لأنفسنا منذ بزوغ نجم هذه الدولة في سماء العروبة والإسلام.

 
Email