المتطرفون يحتضرون.. فلا تعيدوهم للحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتحدث كثير من المعلقين والمحللين العرب، والأجانب هذه الأيام عن ضرورة التحلي بالبراغماتية، دفاعاً عن المصالح العليا لكل دولة، وهو أمر طبيعي ومنطقي، ولا يختلف معه أحد.

يقول هؤلاء: إن السياسات لا بد أن تكون مرنة، وتتناسب والظروف الجارية، وصولاً إلى الهدف الجوهري دائماً وهو المصالح، ومرة أخرى فهذا أمر لا خلاف عليه.

يضيف هؤلاء: إن التمسك بالشعارات أمر عفا عليه الزمن، ولا بد من إدراك الواقع، بدلاً من الغرق في الأوهام، الأمر الذي قد يجر على الأوطان أضراراً ومخاطر كبيرة.

كل ما سبق صحيح، لكن أظن وبالنظر إلى التطورات الدراماتيكية، التي جرت في المنطقة وكذلك تلك التي وقعت في أفغانستان، وألقت بظلالها على المنطقة العربية، ومساحات مختلفة من العالم، فلا بد أن نتنبه كوننا عرباً إلى قضية أراها في غاية الأهمية، وهى ألا تجعلنا هذه التطورات نفكر ولو من بعيد أو قريب، في مصالحة التيار الإرهابي المتمسح بالدين.

هناك فارق كبير بين أن تبحث كل دولة عن مصالحها الوطنية أو القومية، وتتقارب مع هذه الدولة أو تلك، وبين العفو عن هذا التيار الإرهابي، أو إعطائه جرعة أكسجين تعيد إليه الحياة، بعد أن أوشك على الموت السريري.

التنظيمات الإرهابية التي تتمسح باسم الدين الإسلامي، هي أكثر من أجرمت بحق هذا الدين، وشوهت صورته لدى كثيرين خصوصاً في البلدان الأجنبية.

وبالتالي فليس من المنطقي أن يفكر البعض مجرد التفكير في العفو عن هذه التنظيمات، خصوصاً أنها تعرضت لضربة قاضية في السنوات الأخيرة، والأهم أن حقيقتها قد ظهرت جلية بلا زيف أو ديكور، أمام كثير من البسطاء، الذين انخدعوا طويلاً بشعارات دينية، ثبت لاحقاً أنها تبحث عن منافع دنيوية، تخص فقط هذا التنظيم أو ذاك.

هناك فارق ضخم بين أن تتواصل أي دولة عربية مع دولة أخرى، حتى لو كانت مختلفة مع سياساتها وتوجهاتها، وبين أن تتصالح وتتعاون مع تنظيمات هي لا تعترف أساساً بفكرة الأوطان والأمم، وتصر على التعلق بأفكار سرمدية، ثبت أنها خادعة منذ نحو قرن مضى.

هذه التنظيمات الإرهابية سواء كانت شديدة التطرف، أو تدعي أنها معتدلة، وهى ليست كذلك، كشفت بما لا يدع مجالاً للشك أنها ضد فكرة الأوطان، وأنها في سبيل ذلك مستعدة للتعاون مع الشيطان نفسه، وأنها ما دخلت بلداً إلا أفسدته.

تحسن الدول العربية صنعاً إذا واصلت سياستها الرامية إلى اجتثاث جذور الإرهاب وتجفيف منابعه، وصولاً إلى القضاء عليه بصورة نهائية، ما يمكّن هذه المنطقة من الانطلاق في عمليات التنمية والتقدم، ويقضي على الذريعة التي يستخدمها بعض المستبدين للاستمرار في المجتمعات العربية، بحجة مقاومة التطرف والعنف.

خطورة هذه التنظيمات أن بعضها قادر على التلوّن كالحرباء والكمون استعداداً للتحرك في أي لحظة سانحة.

والدليل على ذلك أنها تعرضت لضربات قوية في مصر سنوات 1954 و1965 و1981 و1990، لكن المشكلة أن هذه الضربات لم تكتمل لأسباب مختلفة، ولم تكن في إطار استراتيجية شاملة، ما مكّن هذه التنظيمات ليس فقط من العودة للنشاط، بل من الوصول للسلطة بعد 25 يناير 2011، ولولا ثورة 30 يونيو 2013، لربما تمكنت هذه القوى المتطرفة من تغيير الهوية المصرية وربما العربية، بأسرها.

الآن هناك فرصة تاريخية قد لا تتكرر كثيراً في ضرورة استمرار حصار هذه التنظيمات سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وقانونياً والأهم تجفيف منابعها مالياً، وفضحها فكرياً ودينياً، حتى تتحلل، وتنتهي ظاهرتها التي كانت سبباً رئيسياً في استمرار حالة الضعف والتراجع العربي على العديد من الصعد.

من حق أي دولة أن تتحرك سياسياً كما تشاء، طبقاً لمصالحها، لكن حذار من إعطاء جرعات أكسجين لتنظيمات تحتضر، وتوشك على الموت، فيعودون للحياة مرة أخرى، وربما بصورة أكثر شراسة من السابق.

 

*رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية

 

 
Email