في كل مكان.. دولة «الإخوان» تنهار

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءت نتائج الانتخابات البرلمانية في المغرب، لتعلن عن انهيار تاريخي وغير مسبوق لحزب العدالة والتنمية الإخواني، الذي يقود الحكومة المغربية منذ 2011، فقد حاز الحزب على 12 مقعداً في البرلمان الجديد، بعدما كان الكتلة الأبرز في البرلمان السابق بـ 125 مقعداً.

ولعل قمة الانهيار تجسدت في عدم تمكن رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإخواني سعد الدين العثماني من تأمين مقعد نيابي له.

وتكمن أهمية هذا الانهيار الانتخابي الإخواني المدوّي في المغرب، لكونه البلد الأول في المنطقة، الذي فُتِحت فيه أبواب السلطة أمام «الإسلام السياسي»، وكانت فترات حكمهم مزيجاً من الفشل، وتجسيداً صارخاً لانعدام الكفاءة، وهو ما أدى إلى انسداد الأفق أمام المواطن المغربي، فقد فشل حزب العدالة والتنمية الإخواني في تلبية طموحات المواطن المغربي في حياة أفضل، وكذلك عطّل مسار الإصلاحات الكبرى لأسباب أيديولوجية وعقائدية مغشوشة ومسمومة، وحاول مراراً تعطيل والانحراف بمسار الإصلاح السياسي في اتجاه مزيد تجذير المسار الديمقراطي، وتطوير القوانين المنظمة للحريات العامة والفردية، وركّز في مقابل ذلك على منظومة ولائية، سمتها الأساسية الجهل التّام بتسيير وتدبير الشأن العام ومحاولة ضرب الحريات.

إن «تسونامي» نتائج الانتخابات المغربية لا يبدو في تقديرنا حدثاً معزولاً في المنطقة المغاربية والعربية عموماً من خلال وجود دلائل ومؤشّرات جدية على أن «عرش الإخوان» يتداعى بوتيرة متصاعدة، إن كان ذلك بفضل صمود مؤسّسات الدول المسنودة بالمد الشعبي الرّافض لهيمنة «الإخوان» و«الإسلام السياسي» عموماً أو أنه بقرار شعبي ومواطني، تجسد في الانتخابات التي جرت في عدد من الدول، ففي مصر كان لصمود مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الجيش المصري الكلمة الفصل في وقف النزيف، الذي تسبّب فيه حُكْمُ «الإخوان» والذي أضحى يهدد كيان واستقلالية الدولة المصرية، التي تُعتبر حجر الزاوية في الأمن القومي العربي.

وفي ليبيا لم يتمكّن الإسلام السياسي من الفوز بأي انتخابات منذ 2011، ومع ذلك حاولت بعض القوى الإقليمية والدولية فرضهم بالقوّة على المجتمع الليبي، وهي محاولات لا تزال مستمرة إلى اليوم، رغم يقين هذه الأطراف بأن لا حاضنة شعبية لهم في ليبيا.

وفي الجزائر جرت هذه السنة انتخابات لم يكن حظّ «الإسلام السياسي» فيها أفضل، إذ هي مكّنت الأحزاب المدنية من تصدّر المشهد السياسي والحزبي في تجسيد آخر لواقع أن جماعات «الإسلام السياسي» ورقة استعملتها بعض القوى الإقليمية والدولية ضدّ الدول الوطنية، وانتهى دورها وارتدّت إلى حضيض.

وفي تونس كانت قرارات الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو 2021 تتويجاً لمسار انتخابي شهد انحسار القاعدة الانتخابية لحركة «النهضة الإخوانية» إلى أقل من الربع منذ فوزها الأول في انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 وهو توجه تؤكده شهرياً نتائج استطلاعات الرأي.

وجاءت أيضاً قرارات الرئيس التونسي تتويجاً لعملية التهرئة السياسية والاجتماعية ضدّ حركة «النهضة الإخوانية»، التي قادتها في البرلمان وعلى الأرض زعيمة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي، وعمقتها المطالبات متعدّدة المصادر بكشف حقيقة الاغتيالات السياسية والجهاز السرّي للحركة «الإخوانية»، وكذلك وبالخصوص صمود الاتحاد العام التونسي للشّغل (اتحاد العمال) في دفاعه عن النموذج الحضاري التونسي المدني والوطني والديمقراطي ضد كل محاولات «النهضة الإخوانية»، التي حاولت دون جدوى ضرب الاتحاد وتقويضه من الداخل ولم تقبل ولم تستوعب مطلقاً أن لاتحاد العمّال دوراً وطنياً لا محيد عنه، وهو الدرس الذي ينبغي على الجميع القبول به والإذعان له إن لزم الأمر.

إن حراك 25 يوليو 2021 لن يكتمل معناه ومغزاه إلا بالذهاب لخطوات أكثر جدّية في تقويض أسس الأخطبوط الإخواني، من خلال كشف محاولاته المسمومة لتفتيت الدولة واختراقها والمحاسبة الفورية للمسؤولين عن ذلك، وثانياً تجفيف منابع التطرّف والإرهاب من خلال تعرية مسالك التمويل والإسناد، ولن يكون ذلك ممكناً إلا بوجود كتلة وطنية وديمقراطية موسّعة ما أمكن، تؤمن بالدولة، وتنأى بذاتها عن التطرّف والإرهاب والاستبداد، وتمتلك الكفاءة لتسيير الشّأن العام وللقيام بالإصلاحات الكبرى الضرورية.

Email