الخمسون القادمة وتجديد شباب الدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل خمسين عاماً، كان الهدف الأكبر لدى قادة هذه البلاد، هو قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وبجهود حثيثة مخلصة متفانية، قام الاتحاد، بحمد الله، ودخل في قلب التاريخ الحديث للعالم العربي، من أوسع الأبواب، واليوم، وبعد خمسين عاماً من قيام الدولة، تؤكد القيادة في جميع مستوياتها، على أنّ تقوية الاتحاد، ومواصلة مسيرة الوحدة الوطنية، هما أكبر الأهداف الاستراتيجية للخمسين عاماً القادمة، مع ما يفرضه هذا الهدف الكبير من استحقاقات وواجبات، وتطوير في الرؤية العامة للسياسة الداخلية والخارجية، بحيث تكون هناك خطة واضحة المعالم، ثرية التفاصيل، تضمن تحقيق الأهداف، ومواصلة المسيرة التقدمية لهذا الوطن المتحفز إلى مزيد من النهوض والإعمار والبناء.

تأسيساً على هذه الرؤية الجوهرية العميقة، جاءت وثيقة مبادئ الخمسين، التي نشرها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، رعاه الله، على حسابيْه في إنستغرام وتويتر، ولخّص رؤيتها النهضوية، من خلال كلمة قصيرة مكثفة، توجّه بها إلى أبناء شعبه، اشتملت على جوهر الوثيقة وأهدافها، وآليات العمل القادمة لتنفيذها، بما يعكس روح التلاحم بين القيادة والشعب، والحرص التام على أن يكون المسار الاستراتيجي القادم في خدمة جميع أبناء الوطن في شتّى مواقعهم.

مؤكداً أهمية هذه اللحظة التاريخية الفارقة، التي ستذكرها الأجيال القادمة بكل خير وفخر وإجلال، حيث وضّح المحتوى العميق للمبادئ، وبنبرة جازمة واثقة، بقوله: «أولويتنا الأولى، هي تنمية بلادنا، وغايتنا شعب الاتحاد، وهدفنا أن يعمل الجميع كفريق واحد، لأنّ بلدنا واحد، وعَلَمنا واحد، ورئيسنا واحد، والخمسين القادمة، والأجيال القادمة، ستذكر هذه اللحظات التاريخية الفارقة في مسيرتنا».

وحين ننظر في المحتوى الاستراتيجي في هذه المبادئ، التي اشتملت عليها هذه الوثيقة، نجد أنها نابعة من تبصّر عميق في الواقع، وما تمّ إنجازه في الخمسين سنةً الماضية من عمر الدولة، وتأخذ بعين الاعتبار، ما طرأ من تحديات، تقتضي طرح رؤية استراتيجية جديدة، تبني على ما مضى، وتجدّد شباب الدولة في المرحلة القادمة، ضمن منظور واسع شامل، يقوم على ترتيب دقيق للأولويات، وفي طليعتها الملفّ الاقتصادي، باعتباره ركيزة التقدم والتنمية.

وبمباركة وتوجيه من صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيّان رئيس الدولة، حفظه الله، وباعتماد من صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيّان وليّ عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، صدرت هذه الوثيقة الميمونة، مشتملة على عشرة مبادئ، تمّ ترتيبها ضمن رؤية عميقة، نابعة من أهميتها الاستراتيجية، وجاءت على النحو التالي:

المبدأ الأول: ويقوم في جوهره على تقوية الاتحاد بين إمارات الدولة، لأن قوة الاتحاد بين الجميع، هي صمّام الأمان لهذا الوطن، وهي الضمانة لجميع ما يتلوها من مبادئ، تهدف إلى التقدم والتنمية، وسيكون الطريق الأسرع لتحقيق هذا الهدف، هو تطوير كافة مناطق الدولة عمرانياً وتنموياً واقتصادياً، بحيث تكون النتيجة، هي ترسيخ اتحاد دولة الإمارات، وتقوية بنيانه.

المبدأ الثاني: وخلاصته التركيز على تطوير الاقتصاد، والطموح إلى أن يكون هو الاقتصاد الأفضل في العالم، وذلك من خلال انخراط جميع مؤسسات الدولة، في تحقيق هذا الهدف، بالجهد والعمل، مع الحفاظ على المنجزات السابقة، كإرث تاريخي يثري المرحلة القادمة، ويضيء الطريق أمام سالكيها.

المبدأ الثالث: ويتعلّق بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات، بحيث تكون في خدمة الأهداف الوطنية العليا للدولة، وفي طليعتها المصالح الاقتصادية، لأنّ هناك تلازماً لا ينفكّ بين السياسة والاقتصاد، وكلاهما في خدمة الآخر في نهاية المطاف.

المبدأ الرابع: وفيه تمّ التركيز على رأس المال البشري، باعتباره محرّكاً رئيساً مستقبليّاً للنمو، وذلك من خلال تطوير التعليم، واستقطاب المواهب، وبناء المهارات، لضمان التفوق الوطني في هذا المضمار.

المبدأ الخامس: ويركّز على تنمية العلاقات الحسنة مع دول الجوار، باعتبار ذلك أساساً للاستقرار، من خلال شبكة من العلاقات الآمنة مع المحيط الجغرافي والشعبي والثقافي، الذي يتشكّل منه خطّ الدفاع الأول، عن أمن الوطن وسلامة أبنائه، فالعلاقات المتوترة مع دول الجوار، لا بد أن تلقي بظلالها السلبية على مسيرة التنمية، وعلى السلام المجتمعي، ومن هنا، يحرص هذا المبدأ الهام، على تطوير العلاقات الإيجابية مع دول الجوار، بما يعود بالنفع على جميع الأطراف، من خلال شبكة علاقات اقتصادية وسياسية وشعبية، تكون كفيلة بإنعاش الروح السلمية في طبيعة العلاقات مع دول الجوار.

المبدأ السادس: ومهمّته ترسيخ السمعة العالمية المتميزة لدولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت من مكتسبات الخمسين الماضية، بحيث تظل الإمارات، كلُّ الإمارات، وجهةً اقتصادية واحدة، ووجهة سياحية واحدة، وكذلك في جميع مسارات التنمية الصناعية والثقافية والاستثمارية، بحيث تكون جميع المؤسسات الوطنية، مسؤولة عن تحقيق هذا الهدف الكبير، في الخمسين القادمة.

المبدأ السابع: ومهمّته مواصلة التفوّق الرقمي والتقنيّ للإمارات، التي كانت سبّاقة بين جميع دول الإقليم، وحققت مستويات متقدمة جدّاً على المستوى العالمي، مع الإسهام الفاعل في رسم الحدود التنموية والاقتصادية، وتطويرها، لضمان بقاء دولة الإمارات، عاصمة عالمية في المستقبل الرقمي.

المبدأ الثامن: ويركّز على مجموعة القيم الحضارية والأخلاقية والدينية والإنسانية، التي قامت عليها دولة الإمارات، وصبغتها بصبغتها الخاصة، حيث قامت على احترام الآخر وتقبّله، بعيداً عن نزعات التعصّب والتحيّزات الضيقة، التي تجفف منابع الأخوة الإنسانية، مع احترام الهوية الوطنية، وعدم الذوبان في الآخرين، والتأكيد على دعم الدولة لهذا الاتجاه السلمي، القائم على التسامح والانفتاح.

المبدأ التاسع: وفيه تمّ التأكيد على أنّ دولة الإمارات ماضية في مسيرتها المتميزة في دعم المساعدات الإنسانية، وتبنّيها كجزء أصيل من السياسة الخارجية، تعبيراً أخلاقيّاً عن رؤية الإمارات لموضوع المساعدات الإنسانية، الذي يتم تقديمه دون اعتبارات عرقية أو جغرافية أو دينيّة، بل هو التزام من الإنسان تجاه أخيه الإنسان.

المبدأ العاشر: ويقوم في جوهره على الدعوة إلى التعايش السلمي بين الأمم والشعوب، واعتماد مبدأ الحوار والمفاوضات، كأساس لحل المشكلات العالقة بين الأمم والشعوب، وتنحية خيار القوّة العسكرية في هذا المجال، مع السعي الحثيث من خلال مجموعة شركاء إقليميين، وأصدقاء عالميين، لترسيخ قيمة السلام والاستقرار على مستوى العالم، بحيث يكون ذلك هو المحرك الفاعل للسياسة الخارجية للدولة.

هذه هي وثيقة الخمسين القادمة للدولة التي تحدّد، بحسب عبارة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، المسار الاستراتيجي للدولة، في دورتها التنموية القادمة في المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية الداخلية، لتكون هذه الوثيقة، هي الوثبة القوية الآمنة نحو الأفق الجديد للدولة، الذي يرعاه ويسهر على تنفيذه رجال الدولة الكبار، لتظل الإمارات وطناً محفوفاً بالعناية، مشمولاً بالسكينة والتقدم والسلام.

Email