قمة بغداد لتهدئة الأجواء

ت + ت - الحجم الطبيعي

استضاف العراق، منذ أسبوع، قمة بعنوان «مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة»، بمشاركة 9 دول، وقد بانت أهمية القمة قبل أن تنعقد، حيث حرصت الدول المشاركة على الحضور بتمثيل رفيع المستوى، فكانت مشاركة دولة الإمارات بوفد، ترأسه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

كما جاء تمثيل خمس دول أخرى على مستوى القادة (العراق وفرنسا والأردن ومصر وقطر)، ورئيس وزراء الكويت، ووزراء خارجية السعودية وتركيا وإيران، إضافة إلى أمناء كل من: الجامعة العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي.

مع انعقاد القمة، تبلورت بصورة أوضح الشواهد على أن قمة بغداد ليست واحدة من تلك اللقاءات والفعاليات الدولية، التي تنعقد فقط لأنها مقررة مسبقاً، ثم لا يلتزم المشاركون فيها بأي مما تم الاتفاق عليه، ومن أقوى الدلائل على ذلك الاختلاف الجوهري، أن فعاليات القمة شهدت لقاءات جانبية لم تقل أهمية عن الجلسات الرسمية الأساسية، خصوصاً أن بعض تلك اللقاءات الثنائية جاء بعد سنوات من التوتر أو الفتور في العلاقات بين بعض الدول، أو على خلفية حالة استنفار إقليمي عام في الشرق الأوسط.

ومن المشاهد المهمة في هذه القمة، التقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بأمير دولة قطر، وبوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وأيضاً اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأمير دولة قطر.

لاحظ المراقبون أن القمة لم يعلن لها مسبقاً جدول أعمال محدد، وهو ما يحسب للقائمين على التنظيم في العراق، ذلك أن إدراج قضايا معينة للنقاش ربما كان سيثير حفيظة بعض الدول، خصوصاً في ظل وجود مسائل خلافية، تتعلق بالتدخل في شؤون العراق، وإحكام السيطرة الحكومية على الأوضاع الأمنية هناك. كما أن وضع أجندة مغلقة كان سيدفع بعض الدول إلى محاولة إقحام قضايا تخدم أهدافاً خاصة بها أو بنود توظفها في سياساتها.

كان واضحاً من اللحظة الأولى أن- العراق- محور مؤتمر القمة هذا، لكن العراق ليس إلا ساحة تتشابك فيها الملفات الإقليمية، وتتقاطع فيها مصالح الأطراف الإقليمية والعالمية، فأمن واستقرار العراق يتداخل عضوياً مع مكافحة الإرهاب في المنطقة، ويتأثر مباشرة بالتدخلات الخارجية في الشأن العراقي إيجاباً وسلباً، بينما يلعب الوضع الاقتصادي دور المحرك والمتطلب المسبق للسلام المجتمعي واستتباب الأمن.

وعلى التوازي، يمر الوضع السياسي الداخلي في العراق بمرحلة تحول مفصلية، دشنها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي منذ وصوله إلى السلطة، ولا يزال يباشرها رغم بعض العرقلة والضغوط التي يواجهها في الداخل بحكم موازين القوة والتركيبة المعقدة، التي يتكون منها الداخل العراقي سياسياً واجتماعياً.

ولا حاجة إلى تأكيد مدى حاجة العراق إلى الاستقواء بدول جواره العربية في مواجهة تلك الأوضاع الداخلية الضاغطة اقتصادياً وسياسياً، خصوصاً مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات التشريعية، التي ستكون بمثابة حجر زاوية في توجيه بوصلة السياسة العراقية داخلياً وخارجياً، ومن ثم تحديد مصير التوجه الاستقلالي والتنموي والعربي، الذي يتبناه مصطفى الكاظمي.

وبعد أن نجحت بغداد في جمع هذا القدر من قيادات الدول والمنظمات المعنية بالمنطقة وملف العراق بمختلف أوجهه وتشابكاته، فإن النجاح الأكبر هو اتفاق كل الأطراف المشاركة على ضرورة تفكيك تلك التشابكات، بداية من دعم العراق واستقراره سياسياً واقتصادياً وأمنياً، وهو ما أشار إليه بوضوح وبالتفصيل البيان الختامي لقمة بغداد.

ربما التوقيع على البيان الصادر عن القمة لا يعني بالضرورة التزام كل الدول بتطبيقه، إلا أن التنصّل ربما أكثر كلفة من الالتزام والتنفيذ، خصوصاً في ظل حالة الانفتاح المتبادل وتدشين حوارات وقنوات تواصل صريحة ومفتوحة ثنائية، ومتعددة الأطراف على هامش القمة، وهو ما يضع بعض الدول أمام مسؤولياتها، خصوصاً تلك التي ينتظر العالم منها إثبات حسن نواياها ليس تجاه العراق وحسب، بل تجاه المنطقة ككل.

*كاتب إماراتي

 

 

 

 

 

 

Email