تشهد عدد من البلدان العربية فتناً ومؤامرات تستهدف قيم الوحدة والعروبة للتحكم في مقدراتها وإعادة الوضع إلى المربع الأول، على غرار ما يحدث في ليبيا، وسوريا، ولبنان، وما يمثله ذلك من تدمير لمستقبل البلدان وتفتيت وحدة ترابها، وتمزيق أواصر الأخوة بين أبنائها، ما يستدعي وقفة جادة ضد كافة التدخلات التخريبية لتحصين الأوطان، كلَّما تقاربت وتوافقت القناعات، وتوفّرت المناخات أوجدت استعداداتٍ حقيقيّة لحماية البلدان من الأخطار والخروقات.
ولا شك أن سياسات التمييز الطائفي هي من أهم منافذ المحاولات الخارجية لإثارة الفتن، حيث أوجدت أجواءً خصبة دفعت صنَّاع التَّطرّف والعنف والإرهاب إلى خلق التوترات والنزوع إلى عدم الاستقرار والفوضى، فلا بد من سدّ هذه الثغرات، وإغلاق هذا المنفذ الخطير بتغليب صوت العقل والحكمة، ورفض الاستقواء بالخارج، فالمرحلة تحتاج إلى خطاب يوحِّدُ، ولا يفرِّق، إلى خطابٍ يجمع، ولا يُشتِّت.
لا شك أن أوضاعاً مأزومة في عدد من البلدان هيَّأت بيئات منشطة للانقسام والتطرف، ما زاد من تنامي التدخل الأجنبي في المنطقة والاختراقات، التي صنعت عنفاً قاست منه الأوطان، الذي يتمثل في انتشار التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وإشعال فتيل الأزمات الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، والتمهيد للحروب الأهلية المستعرة التي لا تبقي ولا تذر، وتعمل على شرذمة الشعوب وتفتيت الأوطان، لذلك فلا بد من الاتعاظ من الدروس، فالمنطقة العربية ليست بحاجة إلى طائفية بغيضة أو فتنة عمياء، إنما بحاجة إلى الوحدة الوطنية التي تمثل رادعاً قوياً للمؤامرات الداخلية والخارجية التي تستهدف بث الفتنة والفرقة بين الشعب الواحد.
وغني عن القول أن قيمة الأوطان ترتقي بالشعوب، وبصلاح الأوطان تسعد البشرية، فالفتن التي عصفت بعدد من البلدان العربية يجب التصدي لها بانتهاج ثقافة التسامح، ولا بد من مبادرات جريئة وثقافة واعية لتجاوز هذه الحواجز المصطنعة، ولتطبيع العلاقة بين أبناء المجتمعات على اختلاف مذاهبهم ومعالجة جذور الخلافات الداخلية لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية والنهضة في منطقتنا العربية.