حديثُ الصاهلات

ت + ت - الحجم الطبيعي

بإطلالة فارس ممتلئ الروح بالحيوية والنشاط والفروسية، أطلّ علينا صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، وهو يعتلي جواده المُضمّر، ويقود كوكبة من خيرة الفرسان، مصحوباً ذلك بحديث عن قيمة الروح المعنوية التي هي سرّ النشاط والعطاء والتجدد والحيوية، من خلال مقارنة بديعة بين الإنسان والخيل التي يمتلك سموه في سياستها وتدريبها أروع الخبرات التي امتلكها منذ طفولته، وامتدّت معه خلال هذا العمر السعيد الميمون ليكون كلامه عن الخيل هو كلام الخبير الذي يفهم عن الخيل أدق خلجاتها، وأبدع ذات يوم في وصف علاقته الحميمة بها في قصيدته الذائعة الصيت التي وَسَمها بوَسْمِ «عالم الخيل»، حيث يقول:

مِنْ علّم الخيل أنْ باسمي تناديني

وأني إذا جيت مِ البِعْد إتلقّاني

تِفرحْ بقربي وتمازحني وتحيّيني

وإن غبت عنها على نارٍ إتريّاني

وتحسّ بي وبشعورْ تشمّم إيديني

يا كنّها في المشاعر نفس الإنساني

وعلى نهجه المتواصل في التواصل مع مُحبيه ومتابعيه من أبناء شعبه، نشر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد ومضة قيادية على حسابه في إنستغرام، تحدث فيها عن الأثر العميق للروح المعنوية في تحقيق الإنجازات العظيمة، وأن انخفاض هذه الروح، فضلاً عن موتها، هو السبب الأوحد وراء موت العطاء وقلة الإنجاز.

(أنا فخور في معرفتي في الخيل) وكيف لا يكون عارفاً بالخيل، بل من أعمق الناس معرفة بها من يقول: «أبي والخيل ودبيّ: هي ذكرياتي الأولى عن طفولتي، أبي والخيل ودبيّ هي ذاكرتي التي ستبقى معي حتى النهاية»، فعلى هذه الثلاثية التي تتوسطها الخيل تأسست شخصية صاحب السموّ الذي وضّح هذه الثلاثية البديعة بقوله: «الخيل تجمع العزّة والأنفة والرقة والقوة في نفس الوقت، وكذلك أبي، وكذلك دبيّ»، وكيف سينسى صاحب السموّ هذه العلاقة الخاصة بالخيل وهو الذي كان يُردفه والده الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيّب الله ثراه، في كل صباح على خيله في جولاته الصباحية حين كان عمر صاحب السموّ ثلاث سنوات تقريباً، ليكون هذا هو الدرس الأول من جملة دروس ثمينة تعلّمها صاحب السموّ من معلّمه الأول ومُلهمه الأكبر والده الشيخ الجليل، وهو ما تحدث عنه صاحب السموّ بشغف واستفاضة وشعور عميق بالفخر في القصة الرابعة من كتابه الثمين (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً) لتكون هذه البدايات المُشرقة هي حجر الأساس في ترسيخ هذه العلاقة النادرة بالخيل التي ربما لا يعرف التاريخ لها مثيلاً بين القادة والفرسان.

(إذا كان الروتين اللي يمشون عليه، أو طعام الخيل واحد، تدريبهن واحد، العاملين فيهن ما عندهم تشجيع، ولا عندهم من مدرّب ولا من المسؤولين، تضعف معنوياتهم)، في هذا المقطع من هذه الومضة الثمينة يكشف صاحب السموّ عن الأثر السلبي لسلوك الإهمال والاستسلام للروتين وغياب الشعور بالتجدد والنشاط والإبداع، حيث يهيمن الشعور بالكسل، ويكون العمل روتينياً آلياً، من حيث إطعام الخيل وعدم تنويع الطعام الذي يقدم إليها، ومن حيث التدريب أيضاً إذا كان مقتصراً على نمطٍ واحد من التدريب ولا يهتم المدربون بتنويع النشاطات التدريبية، ومن حيث موت الروح التشجيعية مع غياب المدرب الخبير المختص، وانعدام الرقابة التي تنمّي الحسّ بالمسؤولية، إذا حصل ذلك كله، فإنّ النتيجة المتوقعة لكل مسارٍ من مسارات الحياة وُجدت فيه مثل هذه الحالة هي ضعف المعنويات، وتبلّد الحس بالواجب، وترهّل الإرادة، فعند ذلك يكون الفشل هو الحليف المؤكد لهذا النمط من الناس الذين أخلدوا إلى الراحة، واستسلموا لشعور الكسل، ورضخوا لإيقاع الروتين الذي يقتل الإبداع، ويجفف منابع الشعور بالمغامرة والقدرة على تجاوز التحديات، فضلاً عن مواجهة الصعوبات، وتخطّي العقبات.

(تصوّروا يا إخوان لمّا تخفّ المعنويات حتى الخيل ما تعطي قدرتها الكاملة، فكيف نحن البشر!)، بهذه اللغة القريبة من القلب يخاطب صاحب السموّ إخوانه ومُحبيه من أبناء شعبه، ليقتنصوا الحكمة البليغة من كلامه، فإذا كانت الخيل تضعف معنوياتها حين نُهملها ولا نهتمّ بها الاهتمام اللائق، فينعكس ذلك على أدائها فلا تعطي قدرتها الكاملة في ميدان السباق، ويفوتها الفوز بالمراكز المتقدمة، فكيف هو الحال بالإنسان الذي هو أعلى إحساساً من الخيل بالروح المعنوية، وبكل ما من شأنه أن يشحذ طاقاته وهمته، فلا شكّ في أنّ عزيمة الإنسان تضعف حين لا تجد التشجيع الكامل، وحين تموت فيها الروح المعنوية، وهذا هو الدرس البليغ الذي يريد صاحب السموّ لنا أن نفهم مغزاه ونلتقط إشاراته لكي نُعيد القيمة والاعتبار لمفهوم الروح المعنوية، وأنّ الاستهانة بها هي التي تؤدي حتماً إلى الفشل وانطفاء الوهج، لتكون هذه التدوينة وغيرها الكثير من ومضات صاحب السموّ نبراساً يضيء الطريق أمام أبناء الوطن الذين يبحثون عن قائد يرشدهم سواء الطريق في رحلة البحث عن الذات وبناء الوطن وإعمار الحياة.

Email