«دلتا» يطارد آسيا وينهك سكانها

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهدت آسيا مؤخراً، استفحالاً خطيراً لجائحة «كورونا»، بسبب انتشار الموجة المتحورة الجديدة من فيروس كوفيد 19، ما أدى إلى قلق حكوماتها وشعوبها.

عالمياً، ســُجل نحو 200 مليون إصابة بالوباء، ونحو 4.25 ملايين وفاة منذ ظهور فيروس «كورونا» في الصين نهاية عام 2019، علماً بأن منظمة الصحة العالمية، تقدر الحصيلة الإجمالية بأكثر من ذلك بنحو مرتين.

آسيوياً، يمكن، القول إن نصيب الهند من الإصابات والوفيات، كانت هي الأكبر، خصوصاً بعد ظهور ما أطلق عليه المتحور دلتا. واليوم، بعدما تراجعت مظاهر الهلع والخوف والاستنفار في الهند نسبياً، نجد أن تلك المظاهر انتقلت إلى دول آسيوية أخرى، كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في مكافحة الوباء.

في إندونيسيا، التي اكتوت بنار «كورونا» كثيراً، إلى حد وصول الإصابات والوفيات فيها إلى الآلاف يومياً، لا تزال البلاد تئن تحت وطأة نقص اللقاحات، حيث لم يلقح سوى 18 % من سكانها، المقدرين بـ 227 مليون نسمة، مقارنة بـ 58 % من الأمريكيين، و69 % من البريطانيين.

وفي تايلاند، التي ظلت خلال الأشهر الأولى من تفشي الجائحة عالمياً، في مأمن منها إلى حد كبير، ما جعلها تتراخى في الإجراءات الاحترازية، نراها اليوم تعاني انتكاسة خطيرة، بسبب متحور دلتا، الذي تسبب في ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات اليومية، من المئات إلى الآلاف، مجبرة الحكومة على التخلي عن خطط سابقة لإحياء السياحة، بل أجبرتها على إعلان حالة الطوارئ والإغلاق شبه التام، وتعليق الرحلات الجوية، الأمر الذي ألقى بظلال قاتمة على اقتصاد البلاد، المرتكز على السياحة.

أما في الفلبين، التي ظلت تفتقر إلى تعامل جاد مع الوباء، بسبب ضعف بنيتها الصحية، ووضعها الجغرافي الأرخبيلي المعقد، وبطء منظومتها الطبية (بدليل أن إجمالي عدد المطعمين لا يمثل سوى 9 % من السكان)، فإن أرقام الإصابات والوفيات فيها، وضعتها في أعلى قائمة دول جنوب شرق آسيا المتضررة، لتتعزز وضعيتها هذه، مع دخولها اليوم في معركة مفتوحة مع المتحور دلتا. ومن مظاهر هذه المعركة، اتخاذ الحكومة قرارات صارمة، بالإغلاق في العاصمة، وإجبار المواطنين على التزام منازلهم، مع تقديم دعم يوازي 80 دولاراً لكل مواطن خسر دخله، وذلك من أجل تخفيف الضغط على المستشفيات، ومنع التواصل الاجتماعي في مانيلا، التي يقطنها 13 مليون نسمة، وتشكل ثلث اقتصاد البلاد.

وإجراءات الفلبين هذه، لم تضرب السياحة في البلاد فحسب، وإنما تركت أيضاً الملايين عاطلين عن العمل، وعمقت البؤس، وأشاعت أجواء قاتمة. وحتى في الدول الآسيوية، التي نالت العام الماضي إشادة بجهودها، واعتبرت نموذجاً لاحتواء الجائحة، كاليابان وتايوان، نجد أنها عادت تعاني من جديد، مع هيجان المتحور دلتا في المنطقة.

ففي اليابان، حيث كان تفشي «كورونا» قليلاً (15 ألف إصابة فقط في بلد يسكنه 126 مليون نسمة)، قفزت حالات الإصابة قبيل انطلاق الأولمبياد بأيام، إلى أرقام قياسية، بسبب متغير دلتا، رغم خضوع ستة من أقاليمها لحالة الطوارئ، حيث وصلت إلى 5 آلاف إصابة، بعد أن كانت ألفي إصابة قبل ذلك بأسبوعين.

وعلى الجبهة الكورية الجنوبية، نجد الصورة أكثر هدوءاً. فحكومة سيؤول، التي حظيت بشهرة واسعة لنجاحها في التصدي لفيروس «كورونا» مباشرة بعد تفشيه، ما زالت مسيطرة على الوضع الصحي في البلاد، وتفرض قيود التباعد الاجتماعي، والإغلاق المبكر، وتمنع التجمعات. وبالأرقام، حصدت «كورونا» أرواح نحو ألفي مواطن من بين السكان البالغ تعدادهم 51 مليون نسمة، وبسبب متحور دلتا، تتراوح أرقام الإصابات اليومية الآن، ما بين 600 ــ 700.

أما تايوان، ذات الـ 24 مليوناً، فقد ظلت حكومتها إلى وقت قريب جداً، من أفضل الحكومات الآسيوية لجهة هزيمة الوباء، بدليل أنها لم تسجل سوى 12 حالة وفاة، غير أن القلق عاد ليسيطر عليها، بعدما تم تسجيل 29 إصابة مؤخراً. ورغم أن هذا العدد الضئيل غير باعث على الخوف في دول أخرى، إلا أنه يعتبر في تايوان أمراً مزعجاً.

ونأتي أخيراً للصين، التي انطلق منها الوباء، وعادت إلى حياتها الطبيعية، دون أضرار كبيرة. ففي الأسابيع القليلة الماضية، ومع ذروة موسم السفر، تمّ اكتشاف المتحور دلتا في 16 مقاطعة ومدينة، منها بكين وشنغهاي.

ورغم أن عدد الإصابات الجديدة لم يتجاوز المئات في بلد يسكنه 1.4 مليار نسمة، إلا أن السلطات اتخذت إجراءات صارمة، كإغلاق المدن، ومنع التنقل، وفحص الملايين أكثر من مرة، ضمن استراتيجية سد أي ثغرة تنهك البلاد صحياً، ووسط تساؤلات، عما إذا كانت اللقاحات المتوفرة كفيلة بالتصدي للنسخة الجديدة من الوباء.

Email