لبنان بين الدعم الخارجي ومعاول الهدم الداخلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمثل لبنان حالة فريدة بين الدول، فبينما تحاول الكثير من الدول والقوى الخارجية، تقديم الدعم والمساندة له للخروج من أزماته المتواصلة، تنشط معاول الهدم الداخلية التي تستخدمها بعض القوى اللبنانية، وعلى رأسها «حزب الله»، لتفتيت كيان هذا البلد وإضعافه وإبقائه في دائرة الأزمات والصراعات التي لا تنتهي، والتي يدفع ثمنها بالأساس الشعب اللبناني الشقيق من أمنه واستقراره ورفاهيته.

قبل أيام جدد المجتمع الدولي وقوفه إلى جانب لبنان، من خلال مؤتمر الدول المانحة الذي عقد عبر تقنية الفيديو بدعوة من فرنسا وبرعاية الأمم المتحدة، وهو المؤتمر الثالث الذي يعقد خلال عام واحد، وشارك فيه قادة ومسؤولي عدد من الدول والمنظمات الدولية وعلى رأسهم الرئيسان الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمريكي جو بايدن، ونجح المؤتمر في جمع أكثر من 370 مليون دولار من المساعدات المطلوبة لتلبية الاحتياجات الإنسانية في لبنان، من بينها 100 مليون دولار تعهد بها الرئيس بايدن، كما تعهدت دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، ودول أخرى، بمواصلة الدعم للشعب اللبناني.

في المقابل، لم تبد القوى السياسية اللبنانية أية مؤشرات أو انطباعات عن إمكانية حدوث تغيير في مواقفها وسياساتها يعطي أملاً ولو بسيطاً بإمكانية خروج لبنان من مآسيه المتمثلة في تدهور الحالة الصحية والإنسانية جراء انتشار جائحة «كوفيد 19»، والوضع الاقتصادي والمالي الصعب، والانسداد السياسي الذي أفشل كل المحاولات الرامية إلى تشكيل حكومة قادرة على معالجة الأوضاع الحالية وإدخال الإصلاحات المطلوبة لإنقاذ هذا البلد، بل على العكس مارست بعض القوى داخل لبنان هوايتها في محاولة إغراق هذا البلد في مزيد من الفوضى، وأقصد هنا بصورة خاصة جماعة حزب الله، التي تختطف الدولة اللبنانية، بمفاقمة الوضع الأمني والإنساني الذي يعيشه هذا البلد، حيث قام الحزب أو بعض المحسوبين عليه، بإطلاق صواريخ على إسرائيل لترد هذه الأخيرة بقصف مدفعي واسع على جنوب لبنان.

وبينما أحيا اللبنانيون الذكرى السنوية الأولى للتفجير الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 أغسطس، والذي تسبب في قتل أكثر من 200 شخص، وشرّد أكثر من 300 ألف آخرين، وألحق دماراً هائلاً بالعاصمة اللبنانية، فإن الدولة اللبنانية لا تزال تقف عاجزة عن معرفة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة، بسبب فساد السياسيين والنفوذ الذي يمارسه حزب الله على السلطات اللبنانية وإصراره على تعطيل إجراءات تحقيق العدالة لحماية عناصره وحلفائه، بشكل جعل كثيرين داخل لبنان يصلون إلى قناعة بأنه لا أمل في الإصلاح.

لقد كانت كلمات القادة والمسؤولين المشاركين في مؤتمر المانحين حاسمة في تحميلها السياسيين اللبنانيين، المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع في هذا البلد العربي الشقيق، والتهديد باتخاذ تدابير صارمة ضد السياسيين اللبنانيين الفاسدين، فيما كان وزير الخارجية السعودي، أكثر تحديداً عندما أعلن صراحة أن «إصرار حزب الله على فرض هيمنته على الدولة اللبنانية هو السبب الرئيسي» لمشكلات لبنان كلها. ولا خلاف على أن ما صرح به الوزير السعودي هو الحقيقة الثابتة، فكل مشكلات هذا البلد ناتجة عن اختطاف حزب الله للدولة اللبنانية وإبقائها رهينة لأجندات الحزب ورعاته الإيرانيين.

ومهما بلغ حجم الدعم الخارجي فإنه لن يحل مشكلات لبنان طالما استمرت الطبقة السياسية الفاسدة، وطالما استمرت الدولة ضعيفة ومختطفة من قبل حزب الله، وما لم تعالج أية إصلاحات هذه الأسباب الحقيقية، سيظل لبنان وشعبه الشقيق يدور في دائرة الصراعات التي لا تنتهي.

Email