الأفكار.. وليس فقط الأشخاص

ت + ت - الحجم الطبيعي

يوم الاثنين الماضي، دعا القيادي السابق في حركة النهضة التونسية خليل البرعومي، إلى الإطاحة بزعيم الحركة راشد الغنوشي.وجهة نظر البرعومي أن قيادة الحركة الإخوانية، تتحمل مسؤولية كبيرة، لما آلت إليه الأوضاع في تونس، وأن مشاغلها كانت بعيدة عن تطلعات الشعب، وأنها ارتكبت آلاف الأخطاء، مما يتطلب مراجعات عميقة على مستوى الحركة وقياداتها. في رأى البرعومي، فإن الوقت قد حان لتغيير وجوه الخط الأول من الطبقة السياسية، وإفساح المجال أمام أشخاص متصالحين مع الشعب. هو يضيف أن الغنوشي أخطأ ويتحمل مع بقية قيادات الحركة المسؤولية عن تطورات الأوضاع في البلاد.

الملحوظة المهمة أن ما دعا إليه القيادي السابق في النهضة خليل البرعومي، ليس مجرد حالة فردية، ولكنه يعبر عن رأي العديد من أعضاء حركة النهضة، بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد ليلة 25 يوليو الماضي، والتي تضمنت أساساً حل حكومة هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه، وبدء التحقيق مع العديد من المسؤولين بتهم الفساد والتربح واستغلال النفوذ، ومحاولة إرباك عمل مؤسسات الدولة.

وقبل تصريح البرعومي بيومين فقط، كان لافتاً للنظر صدور بيان عن شباب حزب «حركة النهضة»، يطالب قيادة حزبهم بحل المكتب التنفيذي للحزب لفشل خياراته بتلبية حاجات التونسيين، ومطالبين الغنوشي بتغليب مصلحة تونس والاستقالة.

البيان حمل عنوان «تصحيح المسار»، وقال 130 شاباً، ومن بينهم عدد من النواب، إن «تونس تمر بمنعطف تاريخي أفضى إلى اتخاذ رئيس الجمهورية إجراءات استثنائية، قوبلت بترحيب شعبي. وهذه الوضعية الحرجة، كان حزبنا عنصراً أساسياً فيها، تضعنا أمام حتمية المرور إلى خيارات موجعة لا مفر منها، بعيداً عن الآليات المعتمدة سابقاً، التي لا يمكن إلا أن تنتج سياسات وخيارات بنفس رداءة سابقاتها».

ظني الشخصي أن المشكلة الحقيقية التي تواجه حركة النهضة لا تتعلق فقط بشخص راشد الغنوشي، أو حتى كل قادة الحركة. المشكلة أعمق من ذلك كثيراً، أن الحركة تعيش أسوأ فتراتها وتواجه امتحاناً عسيراً، ربما يقود إلى بدء مرحلة تفككها.

المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في الغنوشي وبقية قيادات النهضة، ولكن في المنهج نفسه الذي قامت عليه الحركة، ومعها كل حركات وفروع جماعة الإخوان، في كل مكان وليس فقط في تونس.

الخطأ الذي يقع فيه كثيرون هو اعتقادهم أن مشكلات جماعة الإخوان سببها أخطاء قياداتها، في حين أن الدرس المهم الذي ينبغي على أي عاقل أن يخرج به من تطورات الأوضاع في الوطن العربي منذ شتاء 2011، وحتى الآن هو أن المشكلة الحقيقية في الأسس والأفكار التي تقوم عليها جماعة الإخوان.

نعم القادة والكوادر في أي جماعة أو حزب أو دولة يتحملون جزءاً كبيراً من مسؤولية النجاح أو الفشل، لكن الأمر مختلف إلى حد كبير في جماعة الإخوان.

فمنذ نشأة الجماعة على يد حسن البنا في مدينة الإسماعيلية المصرية عام 1928، وحتى هذه اللحظة، يتبين لنا أن الأزمة الحقيقية، كانت في الأفكار والمناهج والأسس، أكثر منها في الأعضاء والكوادر والقيادات.

من يتابع صدام جماعة الإخوان مع الحكومات المصرية المتعاقبة منذ تحالفها مع الملك فاروق ضد حزب الأغلبية «الوفد»، ثم اغتيال النقراشي والخازندار قبل ثورة يوليو 1952، ومن يتابع ويرصد سلوكها في كل البلدان العربية، أو حتى غير العربية، سوف يصل إلى استنتاج أساسي خلاصته أن المشكلة تكمن في مجموعة من المفاهيم الخاطئة كلياً، خصوصاً اعتقاد الإخوان أنهم يمثلون «جماعة المسلمين»، وليسوا أنهم جزء صغير جداً من المسلمين، واعتقادهم أنهم أكثر تديّناً وإسلاماً من الآخرين، بل وأنهم يمثلون «أستاذية العالم»، إضافة لمتاجرتهم بالإسلام، واستخدامه سلماً للوصول إلى السلطة والهيمنة عليها بطرق ملتوية كثيرة، أهمها «التقية».

سوف يتكرر الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه حركة النهضة التونسية في كل مكان تتواجد فيه، طالما استمر تمسكها بنفس الأفكار.

الإصلاح الحقيقي يبدأ بأن يراجع الإخوان أنفسهم ومناهجهم وطرق تفكيرهم، وأن يعترفوا بأنهم ارتكبوا أخطاء جسيمة في حق بلدانهم، بل وفي حق الإسلام نفسه، وأن يحلوا جماعتهم ويعتذروا للشعوب العربية والإسلامية.

*رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية

Email