العراق والمعضلة الأمنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن نهاية المهمة القتالية الأمريكية في العراق والانسحاب تؤرخ لبداية مرحلة جديدة في العلاقات بين بغداد وواشنطن تعتمد على أسس الشراكة والصداقة وتطوير العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية، لكن الانسحاب من دون بناء قوة عراقية في وجه الميليشيات ومن دون وضع سد منيع أمام الأجندة الإيرانية التي تسعى لملء الفراغ في العراق وبالتالي التدخل في شؤونه، يعطي إشكالاً قوياً حول فاعلية هذا الانسحاب، فالعراق ما زال بحاجة لضمانات أن لا يكون ساحة لقوى إقليمية وأجنبية، مستقبلاً، وأن لا يُترك مكبل اليدين، حتى مع عقد أمريكا اتفاقيات جديدة مع العراق إما مع حكومة الكاظمي، أو أي حكومة قادمة.

لا يمكن الاستهانة بما قامت به أمريكا في العراق من دحر تنظيم داعش وتحييد الخطر الإيراني، لكن يمكن التأكيد أن تحركاتها تمت وفق خطط استراتيجية لتحقيق مكاسب سياسية، والخلل المتواجد في العراق مسؤولية مشتركة، فقد دعمت واشنطن الحكومات العراقية سابقاً بما يخدم تواجدها في العراق، كما أن معظم هذه الحكومات لم تلتزم بمبدأ تطوير القوة الأمنية وتجهيزها بما يفرغ مبرر بقاء القوات الأمريكية، بل باتت اللادولة والميليشيات هي الحاكم الفعلي للعراق خلال السنوات الماضية. لذلك فواشنطن تتعامل مع واقع فرض عليها ولا تجد خياراً إلا بسلوك طريق انسحاب القوات القتالية من العراق، وإظهارها للعالم أن جهودها في بسط قوة أمنية فاعلة لم تكتمل نتيجة تسريع الانسحاب يرسل برسالة خاطئة لجهات متربصة بالعراق.

وجود الميليشيات المسلحة في أي بلد، يتناقض والديمقراطية، وهي مصدر تهديد دائم لأمن واستقرار البلد، كما أن وجودها علامة الفوضى وهي تخدم أساساً توجهات لا تخدم مصلحة العراق، ويعرقل عمل مؤسسات الحكومة، وتسلب من مؤسسات المجتمع المدني كل الفرص المتاحة والمتوقعة لبناء البلد على الأسس الدستورية والقانونية، لذلك فحل الميليشيات وبناء القوة الأمنية العراقية أمر حاسم في مسار الانسحاب الأمريكي من العراق وإلا فستكون هذه الخطوة مغامرة أكثر من كونها إنجازاً.

Email