البحث العلمي أداة تطوير الدول والمجتمعات

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعد البحث العلمي أحد الأدوات الرئيسة للتطوير في الدول والمجتمعات المعاصرة، إذ يمكن توظيفه في مفاصل الحياة المختلفة؛ وصولاً إلى تحسين الواقع القائم، مع الاستفادة منه في الوقت ذاته لطرح توصيات وصياغة حلول للمشكلات والعقبات المتعددة التي عادة ما تعترض سبل العمل في مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص. علماً أن البحوث العلمية تفقد قيمتها العملية إن لم يتم تنفيذ التوصيات والمقترحات الناتجة عنها بأسلوب منهجي وهادف. 

يعتمد البحث العلمي على إجراء دراسات تخصصية، يتم القيام بها من قبل باحث أو فريق من الباحثين في مجال علمي معين، برعاية مؤسسة أكاديمية أو مركز بحثي. تستهدف البحوث العلمية عادة تطوير حالة معينة أو الوصول إلى حل لمشكلة محددة بالتقصي الشامل والدقيق لجميع الظواهر المرتبطة بتلك المشكلة، وذلك من خلال الاستخدام المنظم والموجه لعدد من الأساليب المتخصصة والإجراءات الكفيلة بطرح أفكار وحلول موضوعية قابلة للتطبيق في عالم الواقع. 

بالإمكان تلخيص أهداف البحث العلمي في 3 نقاط أساسية، وذلك على النحو الآتي: تطوير المعرفة الإنسانية في مجالات العلوم المتنوعة، دراسة وتحليل ظواهر الحياة المختلفة؛ بالشكل الذي يسمح بتفسير تلك الظواهر والربط فيما بينها، مع إمكانية التنبؤ بمستقبلها، والتحكم فيها قدر الإمكان، بما يخدم الإنسان ويجعل معيشته أفضل، إيجاد حلول للمشكلات التي تواجهها المؤسسات في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتقنية والقانونية، وغيرها من المجالات الأخرى.

إن ترسيخ قيمة البحث العلمي في أي مجتمع يعتمد بشكلٍ أساس على تطوير مناهج التعليم، وجعلها محفزة للتفكير الإبداعي، بعيداً عن التلقين غير المثمر. وفي هذا المقام يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، في كتاب «رؤيتي: التحديات في سباق التميز»، وتحديداً في الفصل الـ 13 المعنون: «سباق الأمم والشعوب»: أعتقد أن الاستمرار في تلقين الطلاب المعارف التقليدية بالصورة التقليدية وفي بيئة التعليم التقليدية نوع جديد من الأميّة لم يعد لها مكان في أي مجتمع يريد الانضمام إلى السباق العالمي الجديد لتحقيق التنمية المتميزة الجديدة. 

وفي فقرة لاحقة، يضيف صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، قائلاً: النجاح في هذا السباق يقتضي إعداد أجيال مؤمنة بربها ثم مدركة لالتزاماتها الوطنية ومؤهلة تأهيلاً على المستوى العالمي في مختلف التخصصات والمعارف الإنسانية المعاصرة من خلال تطوير مناهج التعليم والارتقاء بمهارات المعلمين وإتقان التعامل مع التقنيات الحديثة وتوفير بيئة مدرسية تحفز البحث العلمي والابتكار وتوقد روح الإبداع طبقاً لاستراتيجية متطورة قابلة للتطبيق تأخذ في الأولوية أهمية التعليم كركيزة حيوية لمسيرة التنمية الشاملة. 

نستنتج مما سبق إن تطوير البحث العلمي في أي مجتمع، ينبغي أن يشمل جميع التخصصات الأكاديمية من دون استثناء. مع أهمية توفير معايير ومؤشرات لقياس مستوى الإنفاق الحكومي على البحث العلمي. في هذا الشأن أوضح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، من خلال حساب سموه الشخصي في «تويتر» بتغريدة نشرها سموها بتاريخ 27 يونيو الماضي، ما يأتي: اعتمدنا في مجلس الوزراء مقياساً وطنياً للإنفاق على البحث والتطوير. الإمارات تنفق 1.3% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث والتطوير. وهي الدولة الأولى عربياً في هذا المجال، وهدفنا المنافسة عالمياً مستقبلاً. البحث والتطوير هو الذي يقود اقتصاد المعرفة الذي نسعى لترسيخه. 

ختاماً، نستطيع القول إن الدول والمجتمعات والمؤسسات التي تمنح منظومة البحث العلمي ما تستحقه من رعاية واهتمام، ستكون قادرة بإذن الله على إحداث تغييرات إيجابية في مشاريعها ونشاطاتها المختلفة، مع التمكن من تحقيق إنجازات حضارية متقدمة.

Email