لماذا التميز؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

التميز عنوان كبير، تسعى إليه الحكومات الإيجابية، والمؤسسات الرصينة، والأفراد الطموحون. إنه التفرّد في أداء النشاطات، وفي إنجاز الأهداف المبتغاة. مع التميز، يصبح الواقع مختلفاً، والشعور استثنائياً، ومن دونه، يصبح العمل مملاً وروتينياً، وغير محفز على العطاء. من لا يجتهد لتحقيق التميز، سيجد نفسه بعد فترةٍ من الزمن بين المتأخرين، وبالتالي، لن يجد له محلاً في الصفوف الأمامية. 

السؤال المهم، لماذا التميز؟ لأن من لا يكون متميزاً، سيصبح بالضرورة نسخة مكررة من الآخرين، وفي كل مجال من مجالات الحياة، هناك عدد هائل من النسخ المتشابهة، التي يصعب التفريق في ما بينها. من هنا، نجد أن أصحاب النفوس التوّاقة للتميز، يعملون ويجتهدون، ويسعون لتمييز أنفسهم عن غيرهم من النسخ، وذلك من خلال تحقيق حالة الاختلاف الإيجابي، التي لا يوجد بديل عنها في قاموس التميز.

البحث في موضوع التميز، قادنا إلى كتاب «رؤيتي: التحديات في سباق التميز»، لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وتحديداً الفصل الـ 10، المعنون: «مفهوم الامتياز في رؤية دبي التنموية»، إذ يقول سموه: «البعض يقول إن التميز ليس صفة المجتمعات البشرية كلها، فلماذا نريده ونتحمل كلفته العالية؟ سأجيب عن هذا السؤال، فصبراً». في موضع آخر من الكتاب، وفي الفصل الـ 12 المعنون: «مأسسة الامتياز»، نجد عنواناً فرعياً يحمل السؤال الآتي: لماذا نريد التميّز؟. يقول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «وعدت بالإجابة عن هذا السؤال المهم، وهذا مكان مناسب، وأنسب ما أقدم به جوابي، هو السؤال المضاد: لماذا لا نريد التميز؟». 

الأسئلة المضادّة، تُسهم بشكل مباشر في تغيير اتجاه بوصلة التفكير، إذ يتم الانتقال من سؤال لماذا نريد التميز؟ إلى سؤال لماذا لا نريد التميز؟. هذه التحوّل، يجعلنا ندرك أن التميز ينبغي أن يكون أمراً طبيعياً، وأصيلاً في تفكيرنا، وفي مفاصل حياتنا المختلفة، وفي الوقت ذاته، سنعرف أن استهداف التميز، يمكن أن يحقق منافع وإيجابيات كثيرة، في حين أن الابتعاد عن سبيل التميز، يمكن أن يجعلنا نخسر تلك المنافع والإيجابيات.

إلى جانب أداة الاستفهام «لماذا»، نجد من المهم استخدام أداة الاستفهام «كيف»، لنجد أنفسنا أمام السؤال الآتي: كيف نتميز؟. على المستوى الفردي، نعتقد أن تحقيق التميز يستلزم وجود 3 عناصر أساسية، هي: 

الرغبة في تحقيق التميز «عشق التميز». 

القدرة على تحقيق التميز «امتلاك المهارات اللازمة للتميز».

توفر البيئة الداعمة «حاضنة التميز».

من الواضح جداً، أن العلاقة بين هذه العناصر الـ 3، تتسم بدرجة عالية من التكامل، بمعنى أن أي عنصر يختفي أو يغيب، سيؤثر بشكل سلبي في العنصرين الآخرين. هذا الأمر ينبغي أن يدفعنا نحو تعميق الميل الإيجابي نحو مفهوم التميز، مع تعزيز قيمة التميز في نفوسنا. وكذلك تطوير قدراتنا ومهاراتنا الشخصية، التي يمكن استثمارها في أداء نشاطاتنا وأعمالنا المختلفة، وصولاً إلى إنجاز أهدافنا بمستوى عالٍ من الفاعلية. إلى جانب ذلك، ينبغي أن نسعى لإيجاد بيئة ترعى التميز والمميزين، إذ من المعلوم أن البذرة، حتى وإن كانت مواصفاتها الذاتية جيدة، إلا أنها لن تصبح شجرة مثمرة، إلا إذا وجدت رعاية مناسبة، ودعماً إيجابياً من تربتها ومحيطها البيئي الحاضن لها. 

ختاماً، يمكننا إيجاد عنصر إضافي داعم للتوجه نحو التميز، ألا وهو تراثنا وديننا الإسلامي. في هذا الشأن – واستكمالاً لما سبق ذكره – نجد أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يقول: «الامتياز جزء من تراثنا، وديننا الذي يحضنا على إتقان أي عمل نقوم به، وعلى التزام مكارم الأخلاق، وعلى أهمية حسن التعامل مع الناس، ومن ذلك قوله تعالى: «وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً» النساء/86، وهناك أمثلة في الأدب والشعر والأمثال، التي يتناقلها العامة، تصب في الغرض ذاته».

Email