ومضة الإرادة والثقة بالنفس

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه واحدة من أروع الومضات التي اختيرت بعناية فائقة لخلق الإحساس الإيجابي بالحياة، وبناء الإرادة الإنسانية الحاسمة في مواجهة التحديات وتنمية الروح الجسورة داخل الروح والقلب، مع تصميم باهر على تجاوز جميع هواجس التردد والخوف التي هي العدو الأكبر للإنسان، والعائق المتخفي في ثياب الكسل وضعف الإرادة والرضا بأدنى المكاسب من هذه الحياة المشرعة الأبواب لكل فارس مقدام.

وبريشة الفنان الحاذق تمّ رسم الفكرة الأساسية في هذه الومضة الثمينة، حيث انطلق صوت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، للتعبير عن رؤيته لقيمة التفاؤل والتصميم مع إطلالة شمس الصباح التي تضيء الكون، وتبعث فيه روح التجدد والنشاط، ليجتمع من هذه الثنائية الرائعة: الكلمات بالصوت، والإيحاء بالصورة أقوى المحفزات للسامع والمشاهد لكي تصل الفكرة التي يريد لها صاحب السمو أن تتغلغل في القلب الإنساني، وتفعل فيه فعلها الإيجابي المنشود، وغير خاف على أحد مدى اهتمام صاحب السمو بنشر الإحساس الصادق العميق بإيجابية الحياة، وضرورة استخراج أفضل ما في الإنسان من قدرات وطاقات، ولقد قدم لنا كنزاً ثميناً تجسد في مجموعة من الكتب الرصينة التي بلور فيها رؤيته الذاتية للحياة المبدعة، وأودعها خبراته الكبيرة ضمن مسيرته الطويلة في إدارة الدولة، وبناء الوطن، وها هو ما زال يضخ في العروق مزيداً من العزيمة والإصرار من خلال هذه الومضات واستثمار وسائل التواصل الحديثة التي تضمن تواصله مع أبناء شعبه الذين يشكلون نبع سعادته وهاجس عطائه.

ترتيب العقل الباطن

«إذا إنت أصبحت الصبح وقلت إنك إنت ما تقدر تقوم بهذا الشيء، هل تستطيع تقوم به ؟ لا، إحساسك وضميرك الباطني ما يخليك إنك تقوم به».

بهذا التساؤل المباشر والجواب الصريح يفتتح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هذه الومضة اللامعة، حيث يطرح السؤال الذي يعيد ترتيب العقل الباطن للإنسان، ويكشف عن مدى هيمنة هذا العقل في خلق الإرادة الإنسانية، فالعقل الباطن يستجيب للهواجس الإيجابية والسلبية التي تسكن الإنسان، ويرسّخ طبيعة الإحساس الأول الذي يطفو على السطح، فإذا استشعر الإنسان من نفسه العجز وعدم القدرة على الإنجاز فسوف تكون استجابة عقله الباطن في هذا الاتجاه، وسوف يستسلم لهذا الشعور السلبي القاتل الذي يبدّد الطاقة الإنسانية، ويحاصر الإنسان لإبقائه في مدار الكسل والخمول وضعف الإرادة، وبالتالي الاستسلام للواقع وعدم التفكير في التغيير، ومعلوم أن معادلة الحياة التي قررتها الأديان، وتشهد لها الخبرة الإنسانية الصحيحة هي أن الله تعالى لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وأما الركون إلى الأحلام، وانتظار الخلاص على قانون الصدفة فهذا ليس هو مقتضى الطبيعة الإنسانية، ولا هو ثمرة العقل السليم، وها هنا يؤكد صاحب السمو على هذه الحقيقة وتجذرها في العقل الباطن للإنسان، فموقفك الأول هو الذي يحدد طبيعة موقفك الثاني، فإذا بادرت ونهضت إلى واجبك فإن عقلك الباطن سيكون عوناً لك، وستستجيب جميع قواك نحو هذا الهدف، فأنت أنت وحدك من يحدد جواب عقلك الباطن، وأنت وحدك من يحصد ثمرة هذا الجواب سلباً كان أو إيجاباً.

خطاب النفس

«ما يقول: أنا ما عندي هذا الشيء، وما أوصل هذا الشيء، يقول: عندي هذا الشيء، وبوصل هذا الشيء، وأريد هذا الشيء إذا كنت متفائل ومؤمن بتفاؤلك».

يواصل صاحب السمو إضاءة هذه الفكرة من خلال المتابعة الدقيقة لما تهجس به النفس الإنسانية في مواجهة أعباء الحياة، فبدلاً من الإحساس بعدم القدرة على فعل الشيء، فضلاً عن الإحساس بالعجز عن الوصول إليه يطرح صاحب السمو الإحساس الإيجابي البديل، وهو أن يخاطب الإنسان نفسه ويستنهض عزيمته حين يقنع عقله الباطن بأنه عنده هذا الشيء، وسيصل إلى هذا الشيء بل إنه يريد هذا الشيء، فضمن هذه الخطوات الثلاث المدروسة ينبعث الإحساس الإيجابي داخل أعماق الإنسان من خلال الشعور الأول وهو الإحساس بامتلاك القدرة ثم تنامي إرادة الوصول لتحقيق الأهداف، ثم تطوير الإحساس حتى يصل إلى مستوى الرغبة والإرادة الجازمة التي هي جوهر النشاط الإنساني في جميع مسارات الحياة، لكنّ هذه الإرادة القوية مرهونة بوجود طاقة التفاؤل والشعور بالأمل داخل الروح الإنسانية، فهما المحركان الأصيلان لجميع المشاعر الإيجابية التي تدفع الإنسان للدخول في مدار الإبداع وركوب متن المغامرة والإسهام في صناعة الحياة.

مشاعر التفاؤل

«لكنك إذا إنت كنت متشائم ما توصل مكان، لا تقول: ما عندي، قول: أريد، وإذا قلت ما عندك العقل الباطن ما يخليه عندك، ولا توصله ولا تريده».

وكما كانت مشاعر التفاؤل محركاً أصيلاً للقوى الإنسانية فإن مشاعر التشاؤم هي المثبّط الأكبر للإنسان، فالتشاؤم هو الذي يدمر الإحساس الإيجابي بالحياة، ويجعل الإنسان عاجزاً عن الوصول إلى أهدافه ويحرمه نعمة الزهو بوجود إرادة ذاتية يصنع معها المستحيل، لأن العقل الباطن مبرمج على ما تعطيه هذه المشاعر سلباً أو إيجاباً، فبمواجهة هذه الحالة السلبية يجب أن يعلو صوت الضمير الداخلي للإنسان بكلمة: أستطيع، وأريد، وسأصل إلى أهدافي، ففي هذه اللحظة يستجيب لك العقل الباطن، ويصل الإنسان إلى جميع مراداته ويحقق المستحيل من أهدافه.

الخاتمة البديعة

«إذا الإنسان فكر، يعني وأراد الشيء، الكون يعطيه الوسيلة، إنت لا بدّ إنك تصدق نفسك» ثم كانت هذه الخاتمة البديعة حين ربط صاحب السمو بين الجهد الإنساني من خلال الأخذ بالأسباب وبذل أقصى ما في الإنسان من طاقة، وبين استجابة المسببات التي عبر عنها صاحب السمو بلفظ «الكون» الذي يعطينا الوسيلة الملائمة لتحقيق الأهداف، وهو القانون الذي قامت عليه جميع الحضارات الزاهرة القوية في القديم والحديث، والتي هي في جوهرها مجموع الجهود الإنسانية، لكنّ صناعة ذلك الموقف الإيجابي من الحياة، وبناء الإرادة الإنسانية يتطلبان شعوراً ذاتياً عميقاً يقوم على الثقة بالنفس، والصدق الأخلاقي والمعنوي الذي يحرر الإرادة الإنسانية ويرتفع بها نحو الآفاق اللائقة بمجد الإنسان وقدراته الفاعلة في بناء الكون وتشييد الحضارة وصنع الرقي والازدهار.

Email