أخطاء الموظفين مدخل إيجابي للتطوير والتحسين

ت + ت - الحجم الطبيعي

من لا يعمل لا يُخطئ، ومن يعمل قد يُخطئ! لماذا؟ لأن من لا يعمل يكون قد التزم جانب السكون السلبي، البعيد عن أداء أي عملٍ أو نشاط، وبالتالي، لن تكون هناك أخطاء، لعدم وجود عمل في الأساس. أما من يعمل، يكون قد عقد العزم على الأخذ بزمام المبادرة، مع التوظيف الإيجابي لأسباب تحقيق الكفاءة في أداء المهمّات، وصولاً إلى إنجاز الأهداف المطلوبة بمستوى عالٍ من الفاعلية، وبالتالي، قد تُرتكب أخطاء في بعض الأحيان.

بناءً على ما تقدم، هل تُعد مسألة ارتكاب الأخطاء في المؤسسات، مسألة واردة ومحتملة الحدوث؟ الإجابة بالتأكيد نعم، ولكن ينبغي التمييز الدقيق بين أصناف الأخطاء التي يتم ارتكابها من قبل الموظفين. فيما يتعلق بهذا الشأن، نود أن نستشهد بما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في الفصل السابع من كتاب «رؤيتي: التحديات في سباق التميز»: «الأخطاء ليست كلها واحدة. هناك خطأ طبيعي، يحصل نتيجة تجربة معينة، أو خطأ في التقدير، وهناك خطأ لم يتوقعه المسؤول، خلال مرحلة دراسة المشروع، أو لم ينتبه إليه، وأخطاء غير مقصودة أخرى. كلّنا نخطئ، وكلنا نتعلّم من أخطائنا، ويجب على القائد أن يسامح مرتكبها، لكن هناك أخطاء تستلزم المساءلة، مثل الإهمال والتقاعس وغيرهما».

تأسيساً على الأنواع الـ4 من الأخطاء التي تفضّل بطرحها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يتضح أن الأصناف الـ3 الأولى من الأخطاء، تستوجب أن يسامح القائد مرتكبها، ويتخذها فرصة للتعليم والتدريب والتوجيه، الأمر الذي يمكن أن يُسهم في تطوير وتحسين بيئة العمل. وأما النوع الرابع، فإنه يتطلب مساءلة المتسبب عن سبب وقوعه، كي يتم الوقوف على الأسباب الحقيقية والدقيقة للخطأ، وبغية معالجة هذه الأسباب، والعمل على منع تكرارها في المستقبل، فضلاً عن أهمية هذه المساءلة في تحديد الجزاء العادل بحق مُرتكب الخطأ.

الرسالة المهمة التي يجب توجيهها للمديرين، من خلال هذا المقال، هي أن مسألة ارتكاب الأخطاء من قبل الموظفين، وما يترتب عليها من فشلٍ كُلّي أو جزئي في تحقيق الأهداف، أمرٌ محتمل، ينبغي التعاطي معه بحكمةٍ، مع التفكير في إيجاد أسلوب إيجابي، يسمح بجعل تلك الأخطاء محطات للانطلاق نحو نجاحات مستقبلية. وفي هذا المقام، نجد تحليلاً عميقاً لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يقول فيه: «النجاح في رأيي، ليس نجاحاً دائماً، والفشل ليس فشلاً دائماً. إذا فشل الشخص في حالتين من ثماني حالات، فأنا أعتبره ناجحاً. بعدها يجب أن نتوقف ونتحادث ونتصارح. لا يكفي أن نقرر أنه فشل. يجب أن نعرف لماذا فشل. هل لسبب شخصي، أم بسبب آخرين، وهل هو خطأ في الرؤية أم التنفيذ؟ هل هناك دروس نتعلّمها من فشله، وهل هناك عوائق يمكن إزالتها لتحقيق النجاح؟».

الأمر المؤسف أننا كثيراً ما نجد موظفين يخشون التفكير الإبداعي، ولا يبادرون في أعمالهم ونشاطاتهم، على الرغم من الإمكانات والمهارات المميزة التي يتمتعون بها. سبب ذلك يعود إلى خوفهم من رد فعل المدير أو المسؤول، الذي نجده يعمد إلى توبيخ الموظف المبدع، الذي يخطئ في عمله، في حين لا يكترث للموظف الذي لا يعمل ولا يخطئ. إنه بالفعل أمرٌ مستغرب، أن يؤسس بيئة عمل طاردة للإبداع والمبدعين، الأمر الذي يجعلنا نقف أمام مؤسسات منفصلة عن بيئتها، فاقدة لعناصر التغيير والتجديد. مؤسسات لا تُدرك أن أخطاء موظفيها، ومواطن فشلهم، يمكن أن توظف بذكاء، لتصبح مداخل للتطوير والتحسين المستمر.

Email