دبي مدينة الرقمنة والاحتفاء بالعالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في القصة الخامسة والثلاثين من كتاب «قصتي: خمسون قصة في خمسين عاماً» يحكي صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبيّ، رعاه الله، قصة الأجيال التي أسهمت بفاعلية في بناء مدينة دبيّ والوصول بها إلى هذه المكانة العالمية، حيث أصبحت وجهة للنشاط الاقتصادي والسياحي على المستوى العالمي، فمنذ بواكير القرن الماضي كان للمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم رؤية خاصة لدبيّ تقوم في جوهرها على ضرورة الانفتاح على العالم وتحرير الاقتصاد، ودعوة التجار لكي تكون دبيّ محطة لهم يمارسون فيها نشاط الاستيراد والتصدير، وقد لخّص صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد طبيعة الدور الريادي الذي قام به جده بقوله: «نجح جدّي في تحريك المياه الراكدة بعد الكساد الكبير الذي أصاب دبيّ بانهيار تجارة اللؤلؤ في ثلاثينيات القرن العشرين»، لينتقل عبء مواصلة بناء دبيّ بعد ذلك إلى المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم الذي أخذ -بحسب عبارة صاحب السموّ- خيطاً من فكر أبيه وانطلق بدبيّ لآفاق جديدة، فخاض مغامرة قائدٍ جسورٍ حين آمن بأنّ دبيّ لن تتقدم بخطوات خائفةٍ مبالِغةٍ في الحذر بل لا بدّ من اتخاذ قرارات مصيرية حاسمة ستكون كفيلة بترسيخ مكانة جديدة لدبيّ من خلال موقع جديد وأهمية استراتيجية تقوم على الربط بين شعوب العالم، تماماً مثل مدينة سمرقند حين كانت تُهيمن على طريق الحرير القديم، فاتخذ مجموعة من القرارات الجريئة الصعبة التي كانت محل خوف وتوجّس من المحيطين، مثل بناء ميناء جبل عليّ وبناء مطار دبيّ مع حزمة بالغة الأهمية من المشاريع، ليسلّم أمانة دبيّ بعد ذلك لفارس دبيّ وباني نهضتها الحديثة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، الذي كان وما زال وسيظل مسكوناً بهاجس دبيّ، مدينته الأغلى على قلبه، فعرض على والده الكريم رؤيته الشجاعة الجسور لتطوير دبيّ بحيث تصبح وجهة عالمية ضمن إيقاع سريع وشامل لا يعرف التردد ولا الانكماش والخوف، فبلغت دبيّ بجهود صاحب السموّ هذه المنزلة العالمية التي جعلت منها واحدةً من عواصم العالم الحديث.

في هذا السياق المحتدم من السعي الحثيث نحو مزيدٍ من الألق والتقدم، وتعبيراً عن العافية المرتقبة للحياة لا سيّما بعد بوادر انقشاع جائحة كورونا، أعلن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، عن أكبر حَدَثين في مسيرة تطور المدينة، أما الأول منهما فهو إصدار قانون إنشاء هيئة دبيّ الرقمية، حيث تمّ إلحاق مجموعة من المؤسسات الذكية بهذه الهيئة التي سيكون لها تحقيق بصمة المستقبل من خلال رقمنة الحياة في دبيّ، فقبل يومين اثنين كتب صاحب السموّ تدوينة ثمينة على حسابه في «تويتر» أعلن فيها عن هذا الحدث الكبير في مسيرة الإمارة الواثقة نحو مزيد من التطور من خلال كلمة موجزة قال فيها: «أصدرنا اليوم قانوناً بإنشاء هيئة دبيّ الرقمية، ويُلحق بها حكومة دبيّ الذكية ودائرة دبيّ الذكية، ومؤسسة بيانات دبيّ للإحصاء، ومركز دبيّ للأمن الإلكتروني، ومديرها الجديد حمد المنصوري أحد أعضاء فريقي»، لتكون هذه التدوينة بمثابة انطلاقة واثقة نحو أفق جديد للحياة في إمارة دبيّ التي قطعت أشواطاً باهرة في الإدارة الذكية للحياة وأثبتت نجاحاً منقطع النظير في هذا المجال، لتنتقل بهذه الخطوة الجريئة المنتظَرة نحو الإدارة الرقمية والتي تقوم على الاعتماد الكامل في تنفيذ جميع الوظائف والمهام على التكنولوجيا الحديثة وتطبيقات الإنترنت عبر أجهزة الحاسوب المتطورة، بحيث تقوم بإنجاز المهام على أكمل وجه وضمن أقل التكاليف مع تقليل الزمن على المواطنين، ليكون ذلك بديلاً مدروساً لنمط الإدارة التقليدي الذي يعتمد على الجهد البشري بشكل مباشر، وهو ما تسعى كافة المؤسسات في جميع أنحاء العالم إلى التخلص منه، وإحلال الإدارة الرقمية مكانه، تماشياً مع إيقاع التحديث الذي يشهده العالم المتحضر في جميع مرافق الحياة بحيث يتمّ القضاء على جميع مظاهر الترهّل الإداري وتجفيف منابع الخلل الناشئ عن دخول معايير ذاتية في اختيار الكفاءات، ما يؤدي في أحيانٍ كثيرة إلى مظالم وتجاوزات تحرم الوطن من كثير من الخبرات والكفاءات، فضلاً عن تعزيز الشفافية وربط الأنظمة الإدارية من خلال شبكة الربط الإلكتروني التي تضمن أعلى معايير الدقة في الأداء والسرعة في الإنجاز.

بعد ذلك حدّد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد المهمة الدقيقة الشاملة لهذه الهيئة حين قال: «الهيئة الجديدة وظيفتها رقمنة الحياة في دبيّ، وليس فقط رقمنة خدمات حكومة دبيّ»، والمعنى أنّ الحياة ستدخل في أفق إداري جديد يستجيب لإيقاع العصر المتسارع، وثقافته الحديثة ومنجزاته المعرفية المتطورة، ليكون ذلك تتويجاً لما كتبه صاحب السموّ أيضاً في التنويه بالأشواط التي قطعتها دبيّ في هذا السياق، حيث قال: «بدأنا رحلتنا الرقمية قبل عشرين عاماً، حجم اقتصادنا الرقمي يتجاوز مئة مليار درهم، ونستهدف مضاعفة هذا الرقم خلال عامين. توجيهنا لجميع دوائر دبيّ بالانضمام لفريقنا الرقمي في مهمته لتكون دبيّ العاصمة الرقمية الاقتصادية الأولى عالمياً».

أما الحدث الثاني فهو فوز دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة دبيّ باستضافة معرض إكسبو الدولي لعام 2020 /‏2021 والذي كان من المقرر إقامته على مدى ستة أشهر في 20 أكتوبر من عام 2020 حتى العاشر من أبريل لعام 2021، لكن ونظراً للظروف الاستثنائية التي حدثت بسبب جائحة كورونا تمّ تأجيل افتتاحه بحيث أصبح موعده الجديد في الفترة الممتدة من 1 أكتوبر 2021 حتى 31 مارس عام 2022م، مع الاحتفاظ بالاسم القديم للدورة وهو إكسبو دبيّ 2020، بعد أن تمّ اتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية والوقائية الناجمة عن وباء كورونا، حيث سيكون هذا الحدث هو الحدث الأبرز في مسيرة دبيّ، فهو معرض دولي يُقام كل خمس سنوات في بلدٍ يتمّ اختياره ضمن مواصفات ومعايير عالمية تؤهله لاحتواء الفعاليات الكثيفة لهذا المعرض الدولي الذي هو بمثابة الوجه الحضاري للدولة التي تفوز بمهمة إقامته نظراً للإقبال الدولي الكبير الذي يحظى به، حيث يتوقع المراقبون أن يكون عدد زوّار المعرض حوالي 25 مليون شخص منهم 70% من خارج الإمارات، ما سيكون له أعمق الأثر في ترويج دولة الإمارات العربية المتحدة وإمارة دبيّ على وجه الخصوص، حيث سيقام المعرض في منطقة جبل عليّ بسبب ما تمتاز به هذه المنطقة من مميزات كثيرة تتمثل في الموقع الفريد وقوة الخدمات وقرب المطارات، وفي هذا السياق من الاهتمام الكبير بهذا الحدث كتب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد تدوينة على حسابه في «إنستغرام» و«تويتر» قال فيها: «100 يوم على انطلاقة أكبر تجمّع ثقافي عالمي، 100 يوم على اجتماع 192 دولة في دبيّ، 100 يوم لانطلاق أكبر حدثٍ دولي بعد الجائحة ليبدأ العالم مرحلة جديدة من تعافيه، 50 ألف موظف أنجزوا 192 جناحاً، 30 ألف متطوع في انتظار التحليق بالحدث بعد مئة يوم، أهلاً بالعالم في إكسبو 2020 في دبيّ».

وختم صاحب السموّ تدوينته على «إنستغرام» بكلمة ملؤها الثقة والأمل قال فيها: «دولة الإمارات ما هي دولة عالمية، ولكن العالم في دولة»، لتكون هذه الجملة الواثقة هي التعبير الأروع عن ضخامة هذا الحدث وفخامة شأنه في تاريخ هذا الوطن الزاهر الجميل.

وتأكيداً على العمق التاريخي لدولة الإمارات العربية المتحدة، اتخذ معرض إكسبو لهذا العام شعاراً مُستلهَماً من قطعة أثرية قديمة يعود تاريخها لأربعة آلاف سنة عثرت عليها فرق التنقيب في منطقة موقع ساروق الحديد، وكان صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد قد أعلن عن اعتماد هذا الشعار قبل خمس سنوات في سياق احتفال ضخم ضمّ الآلاف من أبناء الوطن والمقيمين على ترابه قال فيه بكل فخر واعتزاز: «اعتمدنا شعاراً إماراتياً لإكسبو عمره 4000 عام.

لدينا عُمق تاريخي إماراتي من بينونة بأبوظبي إلى ساروق الحديد بدبيّ إلى وادي المليحة بالشارقة، وانتهاءً بجبال رأس الخيمة والفجيرة، عمقٌ تاريخي عمره أكثر من 4000 عام. كُنّا حلقة تواصل مع حضارات قديمة، وسنبقى نقطة التقاء وتواصل حضاري عبر إكسبو وبعد إكسبو بإذن الله».

 

Email