قراءة في تغريدة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

البابُ المفتوح

ت + ت - الحجم الطبيعي

على حسابه المعمور بالكلمات الرائعة المضيئة في «تويتر»، نشر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، تغريدة من أروع ما جادت به قريحته المتوهجة بمحبة الخير وإكرام أهله وإغاثة الملهوف ونصرة الضعيف وجبر خاطر الكسير، كشف فيها عن أصالة المعدن لشخصه الكريم ولشعب هذه الدولة الزاهرة.

وكيف أن باب العمل والإنجاز والإبداع والتوقير والرحمة مفتوح أمام الجميع، في إشارةٍ من سموه إلى أنّ الرهان على الإنسان، وأن الدولة مُشرعة النوافذ والأبواب لكل من يريد لهذا الوطن أن يتقدم ويواصل مسيرة الإعمار، لتظل هذه الدولة الراسخة الجذور وفيةً لعهد الآباء الميامين الذين أسسوا هذا البناء الشامخ على هذه القيم الإنسانية الرفيعة التي لا تزداد على مرور الأيام إلا ثباتاً ورسوخاً.

ولقد سبق لكاتب هذه السطور التوقفُ عند غير واحدة من تدوينات وتغريدات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، التي ينشرها في وَسْم (علمتني الحياة)، حيث يقتنص في هذه العبارات القصيرة أصفى ملامح الحكمة النابعة من عمق الخبرة وأصالة التجربة، وسداد النظر ونفوذ البصيرة.

وفي هذا السياق نشر سموه تغريدة بديعة المحتوى فصّل فيها القول في استيعاب جميع النماذج الإنسانية التي تحتاج إلى الدعم والاحترام والمساعدة وتفجير الطاقات، لتكون هذه التدوينة بمثابة مادة دستورية تعزز الإحساس الأخلاقي في الحياة، وتنمّي الشعور بالمسؤولية المشتركة بين الحاكم والرعية.

(إذا جاءك المحتاج فأعنه) بهذه العبارة المتوهجة بالإنسانية يفتتح سموه هذه التدوينة مرسّخاً بذلك واحداً من أرقى المسالك الأخلاقية والدينية والإنسانية التي يعتزّ بها الإنسان، فالمحتاج هو روحٌ متألمة لا تتحمل الخذلان، ولا يجوز النكوص عن مساعدته، وبهذا جاءت الشرائع السماوية، وكان هذا الصنيعُ من مكارم الأخلاق التي كان العرب في جاهليتهم يتمدّحون بها، ورفع الإسلام من شأنها، ومن هنا نتفهم التركيب النحوي لعبارة سموه، حيث جاء بصيغة الأمر، ثمّ عقّب على فعل الشرط بحرف الفاء، الذي لا يحتمل التأخير ولا المُهلة، بل يجب فوراً أن يهبّ الإنسان لمساعدة المحتاج، ليخفف عنه من لوعة الحاجة ويرفع عنه ذُلّ السؤال.

(وإذا جاءك المظلوم فانصره) وبنفس الروح السابقة من العزم والحزم والدلالة اللغوية جاءت هذه العبارة التالية لتؤكد قيمة الإحساس بالعدالة ووجوب نصرة المظلوم الذي أقسم الله تعالى بنصرته ولو كان كافراً، فإنّ الله تعالى حرّم الظلم على نفسه وجعله بين عباده مُحرّماً، وما ظهر الظلم في قومٍ وسكت عنه القادرون على رفعه، إلا أدال الله تعالى منهم، وجعل عاقبة أمرهم خُسراً، وكم كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، يحذّر من مغبة الظلم، ويأمر بتأسيس هذه الدولة على العدالة ورفع الظلم عن المظلومين حتى غدا هذا السلوك هو منهج الدولة الذي لا تتوانى في سبيل تطبيقه، وها هم رجال الوطن وقادته الذين نهلوا من حكمة زايد وصفاء قلبه لا يزدادون إلا حرصاً على إشاعة روح العدالة في المجتمع ورفع الظلم عن كل مظلوم مهما كانت قضيته، فبالعدل يستقر الملك، وتنهض الأمم، وأما الظلم فهو كما قال ابن خلدون، رحمه الله: «إنّ الظلم مُؤذِنٌ بخراب العمران».

(وإذا جاءك صاحب الفكرة فادعمه) لأنّ ذلك هو الطريق الأوحد لمواصلة مسيرة الإنجاز والتقدم، فالأمم لا تتقدم إلا بدعم أفكار أبنائها، وتيسير جميع السبل الكفيلة بتحقيق الأفكار على أرض الواقع، وهو ما تتميز به الأمم القوية الناهضة في هذا العصر، حيث تحرص الحرص البالغ على دعم الأفكار الخلّاقة لدى أبنائها لأن ذلك هو الضمانة الوحيدة لتقدمها.

ولقد تبوّأت دولة الإمارات العربيّة المتّحدة في هذا المسار مكانة عالية بين الأمم جعلت منها دولة سبّاقة في مجال العلوم الحديثة، حيث تشهد البلاد نهضة غير مسبوقة في مسيرة التنمية العقلية والعلمية، ومن أراد أن يتبصّر في عمق هذه القضية في فكر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد فليقرأ ما كتبه في كتابه الرائع «رؤيتي: التحديات في سباق التميز» في فصلٍ بعنوان «التنقيب في العقول»، حيث أبدع سموه في معالجة هذه القضية وتعميق المسؤولية بها.

(وإذا جاءك العالِم فأنصت له) وهذا هو أدب الملوك الكبار، وفرسان الحُكم الخيّرين الذين يوقّرون أهل العلم، ويستمعون إليهم بقلوب مفتوحة وصدور منشرحة، وينصتون لكلامهم الذي يكون عوناً للحكام في ترشيد مسيرة الحكم، ويقوّي العلاقة بين العلماء والأمراء تلك العلاقة التي شهدت خللاً خطيراً في هذا العصر، وأوشكت أن تنزع الثقة المتبادلة بين الطرفين، لكنّ هذه الدولة ومنذ نشأتها وضعت نُصب عينيها توقير العلماء ورفع مكانتهم، والإصغاء إلى كلامهم الذي لا يعدو مصلحة البلاد والعباد، ويستشيرونهم في كل ما من شأنه أن يرقى بالوطن تحت عين الخير والسداد.

(وإذا جاءك الشاب فافتح له طريقاً نحو مستقبله) وما أسعد هذا الوطن بشبابه الطامح إلى المعالي، وما أسعد حظّهم حين استظل زمانهم بزمان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد الداعم الأكبر للشباب، والقائد الذي جعل شباب الوطن هم الرهان والخيول الجامحة المندفعة بعزيمة وإصرار لبناء مجد الوطن، وأبدع في إطلاق طاقاتهم حتى زجّ بهم في أعماق الفضاء.

وحفّز مواهبهم للوصول إلى المريخ بثمرات عقولهم الذكية، فلو قال القائل: إنّ دولة الإمارات هي دولة الشباب بامتياز لما كان مخطئاً، فهي من أكثر الدول رعاية للمواهب الشبابية، ومتابعة لحاجاتهم، وتنمية لقدراتهم بحيث ظهرت بصمة الشباب على كثير من ملامح الدولة النشيطة التي تعتز بشبابها، وتقدم لهم أفضل الفرص والإمكانيات.

(نحن لا ننمو كأفراد متفرقين، نحن ننمو كشعبٍ يسند بعضه بعضاً)، وهذه هي معادلة النمو والتقدم في هذا الوطن الطيب المعطاء، حيث تهيمن فكرة الفريق على الروح العامة للشعب، وهي الفكرة التي بذل سموه جهوداً ضخمة مضنية في سبيل ترسيخها كنموذج متفوق لكتابة قصة نجاح الإمارات، والواقع شاهد بروعة الإنجازات التي تمت من خلال مفهوم الفريق الذي تجاوز فكرة الفريق العملي التنفيذي ليصبح الشعب كله فريقاً متجانساً متعاضداً منخرطاً في معركة بناء الوطن وصيانة منجزاته.

(نحن نتفوق كأمة واحدة، ونتقدم كدولة متحدة) ثم كانت هذه الخاتمة الرائعة لكل ما تقدم من الرؤى والأفكار، فالنموّ الصحيح ثمرته التفوق، والتفوق في الإمارات ليس تفوقاً فردياً بل هو تفوق جَمْعي تُسهم به جميع القوى كأمة متوحدة، وتصوغ معادلة التقدم في ظلال هذا الإحساس العميق بالوحدة والتعاون المشترك بين جميع أبناء الوطن، لتظل الإمارات قصة إبداع تم نسج خيوطها الزاهية الجميلة بجهود مخلصة من قادة الوطن وأبنائه المخلصين.

 

 
Email