تبادل مشاعر الصداقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك من لا يبادلنا شعور الصداقة نفسه. هذه ليست مشاعر سوء ظن، بل واقعاً تكشفه إحدى الدراسات. فهذه الحقيقة المرة قدمتها لنا دراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، الشهير حينما أظهرت أن نصف من نتوقع أنهم أصدقاؤنا لا يبادلوننا في الواقع الشعور نفسه. وياله من شعور صادم، بل مؤلم، عندما تكتشف أن كل ما سبق مجرد شعور زائف.

وقد توصل الباحثون إلى ذلك بعد أن طلبوا من طلبة الجامعة المشاركين في الدراسة، تقييم نظرائهم، بحسب درجة قربهم منهم، أو مدى قوة صداقتهم. بتقييمهم، بمعيار، من صفر إلى خمسة. فتبين أن 94 في المئة منهم، كانوا على حق، بنسبة 53 في المئة. بمعنى أنه من اعتبره المشارك صديقه، كان بالفعل يبادله ذلك الشعور، وهذا ما ظهر بعد مقارنة كل الإجابات الباقية. الأمر الذي يعد مؤشراً، كما ذكرت صحيفة «التايمز» البريطانية، بأن هناك فجوة ملحوظة بين نظرتنا إلى الآخرين ونظرتهم إلينا.

نستطيع القول إن الدراسة المنشورة في دورية «بلوس وان»، قدمت لنا إجابات لطالما حيرتنا عن حقيقة عالم الأصدقاء. فكثير منا يظن مثلاً أن زملاءه في العمل هم أصدقاؤه، لكن ما أن يشغر منصب ما حتى تجد كل هؤلاء يتقاتلون لنيل هذا المنصب، غير آبهين، في كثير من الأحيان، بمن يعتبر نفسه «صديقهم». مشكلة بيئة العمل أنها ميدان تنافس، وفي خضم المنافسة تنحسر مشاعر الصداقة، لأن الجميع لسان حاله يقول «هذا الميدان يا حميدان». فيتوقع من المرء أن يشمر عن ساعديه ويجد ويجتهد حتى يظفر بأفضل عوائد مادية ومعنوية. باختصار من تعتبرهم أصدقاء قد تصدم بهم في العمل لاحقاً. لتتيقن بأن الصداقة ليست شعوراً متبادلاً بالضرورة، على أقل تقدير في بيئة العمل.

وكذلك الحال بالمتيّم بمن لا تبادله أدنى شعور بالمحبة، أي حب من طرف واحد. ويشبه كذلك، من «يحب أخاه في الله» ولا يبادله ذلك «الأخ» الشعور نفسه. وهذا يجرنا إلى مسألة مهمة، وهي ضرورة التفريق في علاقاتنا بين ثلاث دوائر مختلفة، كدائرة: الأصدقاء، والمعارف، والمعارف البعيدة. فليس كل معارفنا أصدقاء، لأن «صديقك من صَدَقَك لا من صَدّقك» أو نافقك. والصداقة قائمة على صدق المشاعر والأحاسيس والنصائح المتبادلة. ولو جربنا ذلك مع بعض معارفنا، فلربما توترت العلاقة. إذن الدائرة الأولى هي للأصدقاء الذين نخالطهم بصورة شبه يومية، وما أقلهم. وكما يقول عالم النفس البريطاني الشهير روبين دونبار، الذي أظهر في دراساته أن عدد الأصدقاء لا يتجاوز اثنين، مثل الزوجة أو الصديق الذي نتواصل معه بصورة شبه يومية.

أما الدائرة الثانية، فهي للمعارف، وهم من يجمعنا بهم تقارب كبير، ومودة، أو شأن ما يهمنا، الأمر الذي يتطلب تواصلاً شبه أسبوعي. فيرى العالم دونبار، بأن مقدرتنا على بناء علاقة مستقرة، تتطلب ألا يزيد عددهم على أربعة أشخاص، وفق تحليله.

وهناك دائرة المعارف الأوسع، التي لا تتطلب عادة تواصلاً مكثفاً، بحكم طبيعة العلاقة. المتأمل لواقع الحال، يجد أن هناك من لديهم الدوائر نفسها في العلاقات، لكن تختلف سماكة الدائرة، فهناك من يستطيع أن يعمل أو يتواصل مع عدد معارف يزيد بكثير على أربعة، لكن تبقى النقطة الجوهرية، وهي ضرورة التفريق بين الصديق، والمعارف العزيزة على قلوبنا، حتى لا نصدم، كما صدم نصف عيّنة الدراسة، برأي «أصدقائهم» الذين لا يبادلونهم مشاعر الصداقة.

 

* كاتب كويتي

Email