وما نخشاه على الأوطان ليس بكائنٍ

ت + ت - الحجم الطبيعي

قد لا نضيف شيئاً إذا أكّدنا مجدّداً تسارع الخطى من أجل توازن إقليمي جديد من نتيجته رفع الغطاء عن جماعة «الإخوان» التي أصبحت تمثّل إحراجاً للبعض.ولعلّه من المفيد التأكيد على أنّ هذه التوجّهات تتجاوز كونها مطلوبة من أجل مجرّد استحقاقات إقليمية، فهي خيارات دول لها وزنها في التوازنات الإقليمية والدولية، وهي بالأساس خيارات الولايات المتحدة التي بدأت تعمل منذ دخول بايدن إلى البيت الأبيض، على إعادة التماسك بين دول المنطقة من أجل التطوّر والازدهار الاقتصادي لما تراه مصلحة جميع الدول، وهي متغيّرات ستشمل كلّ مشاكل المنطقة دون استثناء.

ولا مناص، والحالة هذه، من اعتبار التقارب التركي المصري مسألة استراتيجية، وهو ما يعني أنّ إنجاح هذا المسار يمرّ حتماً عبر أخذ المسافة اللازمة من جماعات «الإخوان» الدولية.

ويبدو أنّ جماعات «الإخوان» الدولية لم تحسن تقدير هذه المتغيّرات، إذ اعتبرتها من باب التكتيكات السياسية التي لجأت إليها دولة إقليمية، لكنّه تبيّن لاحقاً أنّها تندرج في إطار توجّه جديد وجدّي من أجل المحافظة على مصالح أمنها القومي.

وهكذا تسقط مرّة أخرى أحلام الايديولوجيا والطوباوية أمام سطوة المصالح الاقتصادية التي هي الأساس في المحافظة على الحكم، ليبقى الأساس في كلّ التعاملات هو السلطة.

إنّ حركة «النهضة» الإخوانية التي تدير الحكم منذ عشر سنوات في تونس، لا تبدو أنّها مستوعبة للمتغيّرات الإقليمية والدولية، وهو ما يفسّر مساعيها المحمومة وغير المجدية عموماً في طلب الدعم ممّن تعتبرهم سنداً دولياً لها وهم في واقع الأمر انفضّوا من حولها لتأمين وجودهم واستمرارهم.

وإنّ الزيارة الأخيرة الفاشلة، بحسب تسريبات الأخبار، التي أدّاها زعيم «إخوان تونس» الذي يشغل منصب رئيس مجلس نواب الشعب، راشد الغنّوشي إلى دولة إقليمية بعينها، تؤكّد هذا المنحى الجديد في السياسة الإقليمية والدولية.

راشد الغنّوشي فشل في إقناع هذه الدولة بإعادة جدولة ديون تونس، فضلاً عن تقديم دعم جديد للاقتصاد التونسي من أجل الخروج من الأزمة الخانقة، التي تضاعفت حدّتها بفعل الأزمة الصحية الناجمة عن جائحة «كورونا»، والسبب فيما يبدو هو أنّ جماعة الغنّوشي لم تُبْدِ أيّ جدّية في فكّ ارتباطها مع جماعة «الإخوان» الدولية.

زيارة الغنوشي التي جاءت بدعوة، كان هدفها الرئيس إبلاغه بالمتغيّرات الاستراتيجية وتفسيرها، ومطالبته، بحسب مصادر قريبة من حركة النهضة، بـ«التخلّي نهائياً عن جماعة «الإخوان»، وبأن يكون حزبه مدنياً بالكامل لأنّ حنفيات تمويل «الإخوان» ستغلق بصفة نهائية لأسباب عديدة ومتداخلة».

وحتّى ما بدا من إصرار أمريكي على دعم متفاوت بحسب كلّ دولة لهذه الجماعات، هو في واقع الأمر دعم مشروط بقدرة هذه الجماعات على التنصّل من الرابط «الإخواني» والاندماج في النسيج المدني الوطني، وهو ما نراه أمراً صعب التحقيق والمنال، لاعتبار أنّ هذا الرابط الايديولوحي هو ركن أساسي في الهويّة السياسية لهذه الجماعات، التي إن هي نزعت عنها العباءة الدينة ولّت وانقضت واستحالت هباء منثوراً.

إنّ «الإخوان» بما هم جماعات ماضوية تسير عكس تيّار التاريخ المدني للإنسانية، لا مستقبل لها، ولأنّ ديدن جماعات «الإسلام السياسي الإخوانية» هذه هو الانتهازية، فإنّهم سيحاولون «النجاة بجلودهم» والتضحية بالآخرين بدءاً بحلفائهم من الذين جمعتهم بهم الصّدفة والسلوك الانتهازي. وفي تونس على سبيل المثال، فإنّ كلّ ما ستسعى إليه النهضة «الإخوانية» هو محاولة تلافي السجون والمحاسبة، وهو ما يرجّح أنّ أيام حكومة هشام المشيشي معدودة إن هو واصل المراهنة على جواد خاسر وبلا مستقبل.

ولأنّ مهام الحكومة في تونس وفي غيرها من الأمصار، يجب أن تكون في ارتباط بالوطن والمواطن، بقطع النظر عن مصالح الأحزاب، وخصوصاً تلك التي لا مستقبل لها، فإنّ سبيل النجاة لحكومة هشام المشيشي هو فكّ الارتباط العاجل مع خدمة الخطّ «الإخواني» والانصراف الكلّي والفوري إلى الاستثمار في الخطّ الوطني، لإخراج البلاد والعباد من دوّامة الأزمة التي تعصف بتونس، إنّه لا مستقبل لغير الأوطان لو كنتم تعلمون.

وحتّى لا نخطئ السبيل، فمن المهمّ معرفة أنّ طريق الموت مضمون لمن لا مستقبل سياسياً له، تماماً كما أنّ طريق الحياة للأوطان سالك بإرادة الشعوب.

قال أبو العتاهية ذات يوم:

لعلّ ما تخشاه ليس بكائنٍ

              ولعلّ ما ترجوه سوف يكونُ

ولعلّ ما هونت ليس بهيّنٍ

              ولعلّ ما شدّدت سوف يهونُ

Email