مؤشرات حول تغييرات قريبة في زعامة اليابان

ت + ت - الحجم الطبيعي

في 25 أبريل المنصرم خسر الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في طوكيو 3 مقاعد برلمانية (مقعد مدينة سوبارو بمجلس النواب، ومقعدي هيروشيما وناغانو بمجلس الشيوخ) لصالح «حزب اليابان الدستوري الديمقراطي» المعارض، وذلك في الانتخابات التكميلية التي أجريت في هذا التاريخ لملء شواغر حدثت بسبب أحكام قضائية ببطلان فوز شخصيات تنتمي للحزب الحاكم فازت بالتزوير وشراء الأصوات.

هذا الإخفاق، لحزب رئيس الحكومة الحالي يوشيهيدا سوغا، الذي تسلم السلطة في سبتمبر 2020 خلفا لزميله شينزو أبي، قرع أجراس الإنذار في دوائر الحزب الحاكم، ما حدا بزعيمه سوغا إلى الاعتراف بخطورته والتعهد بإجراءات تصحيحية سريعة، خصوصا وأن وجود الرجل على رأس الحزب الحاكم سينتهي في 30 سبتمبر، ناهيك عن أن البلاد مقبلة على انتخابات عامة في 21 أكتوبر المقبل.

من الواضح، على ضوء هذه النتيجة الصادمة، ومع خسارة مقعد هيروشيما التي تعتبر معقلا من مقاعل الحزب الحاكم، أن سوغا فشل في الحفاظ على زخم الانتصارات والشعبية التي حققها سلفه «شينزو آبي» خلال سنوات زعامته الطويلة (من 2012 إلى 2020) والتي انتهت باستقالته طوعا لأسباب صحية. ومن هنا فإن استمرار سوغا في قيادة اليابان أمر مشكوك فيه، حتى وإن تقرر تأجيل حسم الموضوع إلى ما بعد انتهاء أولمبياد طوكيو في 8 أغسطس المقبل.

حينما تولى سوغا السلطة قلنا في مقال سابق نشر وقتذاك، أن الرجل لا تنقصه الخبرة السياسية، لأنه إبن الحزب الحاكم وأحد أعمدته وصاحب مناصب سياسية سابقة، إنما تنقصه الكاريزما الجماهيرية التي تمتع بها سلفه ومن قبله رئيس الحكومة الأسبق جونيتشيرو كيزومي (حكم من 2001 إلى 2006). هذه الكاريزما التي اتاحت لهما البقاء لسنوات على رأس الحزب والحكومة دون تهديد أو صداع.

ومما يجدر بنا ذكره في هذا السياق أن انعدام الكاريزما الجماهيرية لدى سوغا، تضافر مع استياء اليابانيين من قرارات حكومته حول اعلان حالة الطوارئ وتشديد الإجراءات الاحترازية بغية محاربة الموجة الرابعة من جائحة كورونا، وتضافر أيضا مع يأسهم من تحقيق المكاسب السياحية التي كانوا يتمنونها من وراء أولمبياد طوكيو، ليودي بشعبيته إلى ما دون 40%، ناهيك عن عدم رضا 70% من اليابانيين عن أداء حكومته في ما خص التعامل مع الجائحة (بحسب استطلاعات الرأي).

كما أنه من المهم الإشارة في السياق ذاته إلى أن سوغا حاول الالتفاف على ضعفه في الداخل بتحقيق انتصار سياسي خارجي عبر عقد قمة مع الرئيس الامريكي بايدن الذي لم يلتق ــ منذ تنصيبه ــ أي زعيم أجنبي قبله.

والحقيقة أن الحزب الليبرالي الديمقراطي، لا يزال محتفظا بقوته وصورته كحزب قاد البلاد في أحلك الظروف، ولم يجاريه حزب آخر في عدد سنوات بقائه في السلطة، وبالتالي فليس من المتوقع أن يتعرض للهزيمة في انتخابات أكتوبر القادم.

غير أن خروجه من هذه الانتخابات محتفظا بأغلبيته البرلمانية الحالية المريحة قد لا يكون مضمونا، إلا إذا اختار الحزب زعيما جديدا فهو يحتفظ اليوم بـ 278 مقعدا من أصل مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 480 مقعدا، بينما يبلغ عدد مقاعد حزب المعارضة المنافس 113 مقعدا.

فإذا ما تحولنا إلى قائمة الأسماء المرشحة لخلافة سوغا في حال مراهنة الحزب الحاكم على شخص بديل لقيادته في انتخابات أكتوبر القادمة، فإننا سنجد أمامنا أسماء متفاوتة الحظوظ لكنها كلها أكثر شبابا وديناميكية منه، ومنها: «تارو كونو» وزير الخارجية والدفاع سابقا ووزير اللقاحات في الحكومة الحالية؛ «فوميو كيشيدا» وزير الخارجية السابق؛ «شينجيرو كويزومي» وزير البيئة وابن رئيس الوزراء الأسبق؛ و«نوبو كيشي» وزير الدفاع وشقيق رئيس الوزراء السابق.

إلى جانب هذه الشخصيات هناك شخصية نسائية لها شعبية طاغية وتتمتع بمصداقية كبيرة بسبب ديناميكيتها ونشاطها في محاربة جائحة كورونا. والإشارة هنا هي إلى عمدة طوكيو السيدة «يوريكو كويكي» التي شغلت حقيبة الدفاع لمدة شهرين في عام 2007.

وهذه التي لئن انفصلت عن الحزب الحاكم بسبب خلافات مع بعض رموزه وأسست لنفسها حزبا مستقلا، لا تزال تحظى بدعم شريحة معتبرة من رجالات حزبها السابق، وبالتالي فقد تسعى هذه الشريحة إلى استقطابها وإعادتها إلى بيتها الأصلي كي تقدمها زعيمة مقبلة للبلاد فتضمن بذلك أصوات المقترعات اليابانيات، خاصة أولئك المستاءات من هيمنة الذكورة على المنصب الأعلى في البلاد. ونختتم بمخاوف أبداها بعض المراقبين من احتمال عودة اليابان إلى حقبة الحكومات قصيرة العمر كما كان حالها في الستينات والسبعينات.

 

 

Email