سيرةُ زايد وراشد قراءة في ومضة محمد بن راشد

ت + ت - الحجم الطبيعي

احتفاءً بالأجواء المباركة لهذا الشهر الفضيل يواصل صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبيّ، رعاه الله، نشر هذه الومضات الرمضانية الفياضة بالمعاني الروحانية ولا سيّما أنها تحكي مشاعر خاصة أضاءت وجدان صاحب السموّ وهو يطوف حول الكعبة الشريفة حيث تنثال عليه الصور والمعاني التي سطّرها في هذه المقاطع التي تختزن أعمق المشاعر وتُرسّخ قيمة الوفاء للآباء الكبار الذين تركوا بصمة خالدة في النفوس، وذكرى طيبة في أعماق القلب والوجدان.

في هذه الومضة الرمضانية يتحدث صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد عن شَيخَي البلاد وفارسَيْها الجليلين المغفور لهما: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم اللذين ضربا أروع الأمثلة في التعاون والتعاضد في سبيل مصلحة الوطن، وتحمّلا من الأعباء في سبيل البناء والإعمار ووضع الرؤية ما تشهد به الآثار الخالدة التي تركاها، ولقد سبق لسموه أن تحدث في الومضة السابقة عن ملامح القيادة الفذّة لهذين الرجلين، وسبق لكاتب هذه السطور أن أضاء تلك الومضة بمقالة مقتصدة بعنوان «زايد وراشد قدوتان لا يغيبان» ذكرتُ فيها الأبيات الثلاثة التي نشرها سموه كتمهيد للحديث عنهما ورسوخ منزلتهما في قلب صاحب السمو، وها نحن اليوم نستكمل الحديث عن هذه الأبيات الثلاثة التي تلخص المنزلة الفريدة لهذين الفارسين في قلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.

وفجأة انتبهت ومنادي الحق ناداني

ولبّيت داعي إلى ربي يناديني

وقبل هذا البيت كان صاحب السموّ قد استرسل مع خياله الجميل في استحضار شخصية الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام رضوان الله عليهم، وكيف أنه ما زال يمشي بين أركان البيت العتيق، ولاح له طيفٌ نوراني أخذ بيده فسقاه من ماء زمزم، وتمنّى عليه ذلك الطيف أن يشربا معاً من القدس في يومٍ من الأيام، وفجأة انتبه سموه من هذا الخاطر الجميل، وشعر بأن نداء الحق يدعوه للتقرب إلى ذي الجلال والإكرام، فلبّى النداء على عجل، وخرّ ساجداً في بيت مولاه خضوعاً وإجلالاً.

وفي سجدتي راجيٍ عفوٍ وغفراني

دعيت لاثنين دايم حبهم ديني

وفي لحظة السجود التي يكون فيها العبد في أقرب حالاته من ربه العلي العظيم، وفي غمرة الجلال التي يكاد الإنسان ينسى فيها كل شيء سوى أوجاعه الخاصة، تذكر بو راشد اثنين هما منه مثل النور للبصر، وخصّهما في ذلك الموطن الشريف بدعاء خالص يعكس عمق المحبة وقمة الوفاء لهذين الأبوين الجليلين، ففي سجوده بسط يد الرجاء بالصفح والغفران، ومدّ يد الدعاء للشيخين زايد وراشد اللذين يرى حبهم جزءاً من الدين، يتقرب به إلى مولاه سبحانه وتعالى، وهذا نوع من الحب نادر لا تجود به إلا نفس نبيلة، ولا يحافظ عليه إلا حرٌّ أصيل.

أبويه راشد لذي بالدين وصّاني

وأبويه زايد لذي فضله مغطّيني

وما أجملها من وصية توارثها سيد عن سيد، فقد كان الشيخ راشد بن سعيد رحمه الله يتلقى دروس الصبر والتدين الصادق من والده الشيخ سعيد الذي كان نموذجاً في الصلاح والتقوى، وهو الشيخ الجليل الذي رسم له صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد صورةً وضّاءة في سيرته الذاتية الرائعة (قصتي) حيث ذكر من مكارم أخلاقه وعلامات صلاحه وتقواه ما يملأ النفس إعجاباً بهذا الشيخ الجليل الذي كان ينقل الماء للمصلين في صلاة الفجر تقرباً إلى الله تعالى، فكان لهذه الأخلاق الزكية أعظم الأثر في نفس ولده ووارث مجده الشيخ راشد بن سعيد رحمه الله الذي يشهد له القاصي والداني بالصلاح وحسن الخلق والتواضع ومحبة الناس، فأراد لهذه الأخلاق الطيبة أن تظل إرثاً مصوناً في آل مكتوم فأوصى بها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد الذي صان قلادة المجد التي وضعها والده أمانة في عنقه، وما زال على العهد وفاء وبرّاً بذلك الوالد الكبير.

وأما الشيخ زايد رحمه الله، فهو صاحب القدح المُعلّى في قلب صاحب السموّ، ومن أراد أن يعرف من هو الشيخ زايد فما عليه سوى أن يقرأ بتذوّق وانتباه جميع ما كتبه بو راشد في حق خاله وشيخه ومعلمه ومُلهمه الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان رحمه الله، فهناك يلوح لك الوفاء في أبهى تجلياته، وهناك ترى الصورة الوضيئة لباني الوطن ومؤسس الدولة، الذي غطّت فضائله على جميع من تعامل معه بسبب ما جُبل عليه من كرم الأخلاق وسماحة النفس، وسداد النظر، وعُمق الحكمة.

رحمهما الله، ورفع درجاتهما، وحفظ الله هذا الوطن نموذجاً في الوفاء وكرم الأخلاق.

Email