بعث لي دانيال ليفي، الزميل الإسرائيلي الذي كان يعمل دبلوماسياً ومفاوضاً في فريق رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، تقريراً بعنوان «كسر الأمر الواقع بين إسرائيل وفلسطين». وقد كَتَب التقرير الصادر في أبريل الماضي، عدد من الخبراء هم: زها حسن، ودانيال ليفي، وهلا أمال كير، ومروان المعشر، والذي شغل مناصب عليا عدة في الأردن ومنها وزارة الخارجية ثم نائباً لرئيس الوزراء.

وصدر هذا التقرير عن أهم مؤسسات البحث في واشنطن، وهي مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي بالشراكة مع مشروع الولايات المتحدة/ الشرق الأوسط. ولهذه المؤسسات البحثية تأثير على صنّاع القرار في الإدارة الأمريكية.

ويدعو التقرير إلى إعادة ضبط السياسة الخارجية تجاه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. فالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الصراع اتسمت لعقود خلت في «السير في المفاوضات ومبادرات السلام الفاشلة حيناً، ثم الإحجام عنها حيناً آخر». ويدعو التقرير إدارة الرئيس جو بايدن إلى الاعتماد على «نهج قائم على الحقوق، بدلاً من إحياء عملية سلام تحتضر، أو التخلّي ببساطة عن الانخراط الأمريكي في تلك العملية».



ويعتمد النهج المقترح على حماية الحقوق المدنية، وتحقيق الأمن الإنساني للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء. وهذا النهج - كما يراه أصحاب التقرير - من شأنه أن يعيد حسابات الطرفين في الصراع. ويعطي هذا التغيّر في السياسة حقوقاً متساوية للإسرائيليين والفلسطينيين في حرية التنقل، والحماية من العنف والتمييز في كافة أرجاء فلسطين وإسرائيل. إضافة إلى أن هذا التغيّر ينسجم مع سياسة الأمن القومي (المؤقت)، التي أعلن عنها البيت الأبيض حديثاً.

ويرى الخبراء أن هناك أربع أولويات يجب التركيز عليها في هذه المقاربة الجديدة. الأولى، أمن السكان وحقوقهم، والثانية، التأكيد على القانون الدولي في معالجة الصراع، وإلغاء تدابير الإدارة السابقة المخالفة للقوانين الدولية. الأولوية الثالثة، إفصاح توقعات الفلسطينيين والإسرائيليين للحل، والرابعة، اتباع مقاربة متعددة الأطراف.

ولتحقيق هذه الأهداف، يرى التقرير أن تسعى واشنطن للتأكيد على ضرورة خلق نظام متساوٍ يمنح حق التصويت لكافة سكان الأراضي المحتلة، بما فيها القدس، ويحض واشنطن على فتح القنوات الدبلوماسية مع الفلسطينيين، والسماح لبعثة منظمة التحرير لفتح ممثلية لها في واشنطن، وفتح قنصلية أمريكية في القدس، منفصلة عن سفارتها.

كما أن على الولايات المتحدة، بحسب التقرير، تشجيع كل الدول للمساهمة في تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حتى التوصل لحل لمشكلة اللاجئين. وبالنسبة للشأن الفلسطيني الداخلي، يدعو التقرير إلى إنجاح الحوار بين فتح وحماس، وعلى الأخيرة أن تحترم القوانين والأعراف الدولية، وعدم القيام بأعمال تنسف الحل.

ويرى أنه يجب أن يكون هناك تفاهم أمريكي - فلسطيني بالنسبة لقضية دعم عائلات الأسرى والقتلى الفلسطينيين من قبل السلطة، والتي ينظر إليها من قبل واشنطن على أنها تشجيع للعنف السياسي، وبالتالي إزالة القيود التي وضعها الكونغرس الأمريكي حول برامج المساعدات.

إضافة إلى ذلك، يدعو التقرير الولايات المتحدة إلى أن تسعى لدمج قطاع غزة والضفة الغربية، وإنهاء حصار غزة، والتعامل معهما كوحدة سياسية واحدة. والتأكيد على أن المستوطنات منافية للقوانين الدولية، والتفريق بينها وبين إسرائيل في كافة الاتفاقات الثنائية. ويؤكد التقرير على المراقبة على الأسلحة الممنوحة من قبل الولايات المتحدة، ومنع استخدامها لانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني.

ويرى التقرير وجوب الالتزام بالقرارات والقوانين الدولية كمرجعية لحل الصراع، وعدم تقديم الحماية الدبلوماسية من خلال استخدام حق النقض (فيتو) في حالة مخالفة القوانين الدولية. وكذلك التأكد من موافقة القوانين والاتفاقات الاقتصادية الأمريكية مع قرارات الأمم المتحدة، والتي تدعم حقوق الإنسان في المنطقة.

ويأتي هذا التقرير بعد آخر صدر من منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان بعنوان «نظام تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد» في يناير المنصرم، والذي أثار ضجة. وتقرير آخر صدر من منظمة «هيومن رايتس ووتش» بعنوان «السياسات الإسرائيلية المنتهِكة تُشكّل جريمتَي الفصل العنصري والاضطهاد» والذي صدر في أبريل الماضي.

ورغم أن تقرير كارنيغي لا يقول صراحة، إن النظام الإسرائيلي يمثل «نظام فصل عنصري» كالتقريرين الأخيرين، إلا أن خلاصات التقرير تشير إلى ذلك. ويبدو أن هناك فرصة سانحة مع تواجد إدارة جديدة في البيت الأبيض، وفي ظل اتفاقات السلام الإبراهيمية بين دول عربية وإسرائيل للتوصل إلى حل مرضٍ للطرفين. كما أنها فرصة سانحة لإسرائيل للتخلص من وصمة الفصل العنصري.

* كاتب وأكاديمي