برنامج أنقذ مصر من «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

ماذا لو لم تنفذ الحكومة المصرية برنامج الإصلاح الاقتصادي نهاية عام 2016، وفاجأتها تداعيات فيروس «كورونا» كما فاجأت كل اقتصادات العالم، القوي منها والضعيف، وحولت النمو الإيجابي إلى سلبي؟ الإجابة عن هذا السؤال يمكن معرفتها من خلال قراءة مدققة في «التقرير نصف السنوي للأداء المالي» الذي أصدرته وزارة المالية المصرية متضمناً مؤشرات العام المالي الحالي 2020 - 2021.

التقرير صدر في 25 مارس الحالي، وتضمن مجموعة من الأرقام والمؤشرات التي تقدم صورة حقيقية عن الأداء الفعلي للاقتصاد المصري من وجهة نظر وزارة المالية، وكيف تمكنت الحكومة من مواجهة تداعيات الجائحة الصحية.

برنامج الإصلاح الاقتصادي بدأته الحكومة المصرية في 3 نوفمبر 2016 حينما اتخذت قرارات جريئة بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار وسائر العملات الأجنبية، وفي نفس اليوم بدأت الحكومة برنامجاً غير مسبوق بتخفيض الدعم عن سائر أنواع الوقود بما فيها المخصص للكهرباء للوصول بها للأسعار العالمية.

قبل هذه الإجراءات، كانت الحكومة تتحمل فوارق أسعار السلع الأساسية، عبر الدعم الذي تقدمه للوقود وبعض أنواع الخدمات. كان هناك أيضاً أكثر من سعر للدولار، والرابح الأساسي هم المضاربون على أسعار العملات والأغنياء الذين يستفيدون من دعم لا يستحقونه، والخاسر الأساسي هو المواطن العادي، خصوصاً ابن الطبقة الوسطى، والموازنة العامة للدولة التي تحملت عجزاً مستمراً، جعل بعض الخبراء والعديد من المؤسسات المالية الدولية يحذرون من إفلاس حقيقي للحكومة المصرية.

بطبيعة الحال، كان هناك ثمن اجتماعي واقتصادي كبير تحمله المواطنون المصريون بصبر وشجاعة، خصوصاً في الطبقتين الدنيا والوسطى. لكن في المقابل، فإن الثمن الذي تحقق بعد خمس سنوات، من تطبيق البرنامج هو الذي جعل الاقتصاد المصري، من بين اقتصادات قليلة جداً في العالم، تحقق نمواً إيجابياً في العام الأول من ظهور فيروس «كورونا»، الذي ضرب العالم بلا رحمة في بدايات 2020، ولا يزال يضرب حتى الآن.

نعود لتقرير وزارة المالية الذي يقول إن جميع مؤشرات أداء الاقتصاد والموازنة شهدت تحسناً غير مسبوق فاق توقعات الخبراء بفعل الإصلاحات التي تم تطبيقها، على حد قول وزير المالية محمد معيط.

معدل النمو استمر في تحقيق معدلات إيجابية، وفي تقدير وزيرة التخطيط هالة السعيد، فإن النمو الاقتصادي المستهدف في 2021 - 2022، سيبلغ 5.4 %، ومؤسسات التمويل الدولية تقدر هذا المعدل بين 2.3 % إلى 3 % في العام المالي 2021، على أن يرتفع إلى 4.1 - 6 % في العام المالي التالي، أي 2022.

تقرير وزارة المالية، يكشف أن معدلات البطالة والتضخم لا تزال تتراجع، في حين تتزايد أرصدة احتياطي النقد الأجنبي لتتجاوز حاجز 40 مليار دولار بعد أن هبطت لأسوأ معدل عند حوالي 15 مليار دولار بعد 2013. وللعام الثالث على التوالي واصلت الموازنة العامة تحقيق فائض أولي بلغ 14 مليار جنيه بنسبة 0.2 % من الناتج المحلي الإجمالي، ما أسهم في انخفاض العجز الكلي للموازنة إلى 3.6 % خلال النصف الأول من العام المالي الحالي مقابل 4.1 % خلال نفس الفترة من العام المالي الماضي.

أيضاً ارتفعت الإيرادات العامة للدولة بنسبة 16 % لتسجل 452.9 مليار جنيه في النصف الأول، بما يمثل 7 % من الناتج المحلي، منها 334.3 ملياراً إيرادات ضريبية بنسبة نمو سنوي 9.9 %، وإيرادات عامة غير ضريبية بنسبة 38.2 % بقيمة 118.2 مليار جنيه.

المهم أن تقرير وزارة المالية يشير إلى أن تحسّن هذه المؤشرات، تم بالتوازي مع تلبية الحكومة لجميع احتياجات مواجهة جائحة «كورونا»، خصوصاً في قطاعات الصحة والتعليم والاستثمارات الحكومية.

محنة كورونا تحولت إلى منحة في بعض القطاعات خصوصاً ميكنة المنظومتين الضريبية والجمركية، كما زادت مخصصات تنمية الصادرات ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وخفض الرسوم وأسعار الغاز الطبيعي والكهرباء لقطاع الصناعة.

وطبقاً لما قاله أحمد كجوك نائب وزير المالية، فإن مكتسبات برنامج الإصلاح ساعدت في تحسين القدرة المالية والمرونة للموازنة العامة حتى تتمكن من استكمال إجراءات إصلاح المالية العامة ووضع العجز الكلي والدين العام في مسار نزولي، والعمل على خفض العجز الكلي للموازنة إلى نحو 7.8 - 7.9 % من الناتج المحلي الإجمالي، خلال العام 2021 وإلى نحو 6.6 في العام المالي المقبل، وخفض الدين العام إلى 89 % من الناتج المحلي بحلول يونيو المقبل، وتحقيق فائض أولي قدره 0.7 - 0.9 % في 2021 على أن يرتفع إلى 1.5 % في 21 - 22.

من حق وزارة المالية أن تتفاءل بالمؤشرات، لكن أظن أن هناك عنصراً مهماً، هو ضرورة أن تتمكن الوزارة وبقية أركان الحكومة، من خفض الديون خصوصاً الخارجية، التي يراها عدد كبير من المراقبين تحدياً وخطراً كبيراً، يمكن أن يعصف بالكثير من هذه المؤشرات الإيجابية، إذا استمر معدل الديون في التصاعد.

 

 

Email