هذا السؤال هو سؤال الساعة لكل المراقبين للشأن الأمريكي ومنطقة الشرق الأوسط، ما هي ملامح سياسة بايدن تجاه منطقة الشرق الأوسط؟ وهل سياسة بايدن الخارجية هي استمرارية للإدارات الديمقراطية السابقة، ولاسيَّما باراك أوباما؟

بدأت ملامح السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تتكشف شيئاً فشيئاً عبر إعلانات متعددة وتعيينات ترشح بتوجهات جديدة للإدارة الأمريكية الجديدة. ورغم ما يعلن عن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، إلا أن الشرق الأوسط يحوز على اهتمام إدارة بايدن.

وقد سبق عدة إدارات، إعلان تحولها عن الشرق الأوسط بينما تتواصل العلاقات في النماء في المجالات كافة، الاقتصادية والتجارية والدبلوماسية والعسكرية، خصوصاً مع دول الخليج، بل إن قيادة الوسطى، التي تغطي منطقة الخليج والشرق الأوسط، لم تخفض من قواتها العسكرية، وهي في ازدياد.

ويتكرر القول إن الولايات المتحدة لم تعد تحتاج إلى نفط المنطقة، إلا أن هؤلاء المراقبين يغفلون حقيقة أن النفط سلعة استراتيجية، وسوق النفط سوق متكامل، يتأثر بالتغيرات في الإنتاج والتصدير في كافة أنحاء المعمورة. فإذا ما حصلت اضطرابات في تصدير النفط من منطقة الخليج، فإن أسعاره في العالم سترتفع بشكل جنوني، بما فيها الولايات المتحدة. بل إن العالم سيعاني من أزمة اقتصادية أسوأ من التي يمر بها العالم حالياً بسبب الجائحة.

كما أن شركاء الولايات المتحدة التجاريين، في آسيا وأوروبا، يعتمدون على نفط الخليج، وأي اهتزاز في وصول النفط الخليجي إلى أسواق العالم، سيؤدي بالضرورة إلى اضطرابات في اقتصاديات هذه الدول، والتي ستؤثر على نمط التجارة والاستثمار مع الولايات المتحدة، إضافة إلى أن الفراغ الذي يسببه انكفاء الولايات المتحدة سيتم ملؤه من قبل منافسيها، مثل روسيا والصين.

وقد أوضحت الولايات المتحدة، بما لا يدع مجالاً للشك، أنها ملتزمة بحلفائها في المنطقة. وقد أشارت وثيقة نشرت في مارس الحالي، تحت عنوان «إرشادات استراتيجية الأمن القومي المؤقتة» إلى تمسك الولايات المتحدة بإدماج إسرائيل مع جيرانها في المنطقة. كما أنها تدعو لإيجاد حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يقوم على دولتين قابلتين للحياة. وتضيف هذه الوثيقة المهمة، أن الولايات المتحدة ستقوم، مع شركائها في الشرق الأوسط، بردع عدوان إيران على سيادة وسلامة أراضي دول المنطقة. كما أن الولايات المتحدة ستمنع، مع شركائها، توسع وانتشار شبكة القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى، كما ستسعى الولايات المتحدة لمنع عودة «داعش» في المنطقة.

وهناك أيضاً الانتشار النووي في المنطقة، والذي توليه الولايات المتحدة أهمية كبيرة. فالمنطقة، والتي تعاني من صراعات متعددة، لا تحتاج إلى أسلحة نووية تفاقم من أزماتها. وأكثر ما يقلق واشنطن هو الملف النووي الإيراني. فهذا الملف شغل الولايات المتحدة منذ زمن طويل. وقد توصلت إدارة باراك أوباما إلى اتفاق في 2015، ولكن الإدارة السابقة انسحبت منه بدواعي الفجوات التي تعتري هذه الاتفاق.

وقد عين الرئيس بايدن، روبرت مالي - خبير شؤون الشرق الأوسط، والذي خدم في إدارات سابقة - كمبعوث إلى إيران في الشأن النووي. وتعيين مالي ذو مغزى إلى جهة التوصل لحل دائم لهذا الملف الشائك. وهو دبلوماسي معروف بتعاطفه مع قضايا الشرق الأوسط.

وهناك أيضاً ملف معاهدات واتفاقيات السلام بين إسرائيل والدول العربية. وستقوم إدارة بايدن بالبناء على ما أنجزته الإدارة السابقة بين الدول العربية وإسرائيل، وستواصل واشنطن مساعيها في توسيع الدائرة. ولكن بعكس الإدارة السابقة، ستظل إدارة بايدن ملتزمة بالموقف التقليدي من حل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني بإقامة دولتين على حدود 5 يونيو 1967، وحل مُرض للطرفين حول اللاجئين الفلسطينيين.

من المتوقع تغير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة حسب أولويات هذه الإدارة، ولكن ستظل ثوابت السياسة الخارجية كما عهدنا على مرتكزاتها الثلاثة: النفط، والسلام والاستقرار في المنطقة، ومحاربة الإرهاب، وإن اختلفت المقاربات.

* كاتب وأكاديمي