مخاطر الشغف وآفاقه

ت + ت - الحجم الطبيعي

ليس كل شغف يقود المرء إلى مبتغاه في هذه الحياة. فمن الشغف ما ينشغل به المرء عن أهدافه الجوهرية والتزاماته المهنية والاجتماعية.

والشغوف بهواية استحوذت على جل تفكيره ويومياته، قد يدفع ثمن ذلك غالياً.

ذلك أن الشغف لغة، هو ما يلامس شغاف قلب الإنسان، وتمر الساعات وهو يهيم في أجواء من المتعة والبهجة والانهماك يصعب الفكاك منها. مثل ذلك الشغوف بهوايات أو باهتمامات تحيد به، يوماً بعد آخر، بعيداً عن أهدافه الحياتية. ذلك أن الشغف وجد ليضفي على أعمالنا نكهة الأنس، غير أنه حينما يوجه في الاتجاه الخطأ، فإنه قد يخل بتوازن أدوارنا الحياتية، وهنا مكمن المشكلة.

وأمثال من دارت بهم عجلة الشغف بسرعة هائلة، أولئك الذين دخلوا مرحلة الإدمان في الانغماس في الألعاب الإلكترونية أو المشاريع الهامشية، فلم يصبح لديهم متسع من الوقت للتركيز في وظائفهم أو مصادر رزقهم. ولذا كان الشغف سلاحاً ذا حدين.

ومن أخطر مظاهر الشغف، أولئك الشغوفون بممارسة ألعاب خطيرة، كتربية حيوانات مفترسة، أو القفز الخطِر، أو مغامرة الغوص في أعماق البحار بحثاً عن أسماك القرش، أو قيادة الطائرة المروحية الصغيرة وغيرها.

وعلى الجانب الآخر، فإن من الشغف ما يحفظ به المرء وقته وجهده وطاقته، خصوصاً إذا ما كان متوازناً أو في مكانه الصحيح. فما أكثر الشغوفين بأعمالهم وهواياتهم ولا يخلون بالتزاماتهم.

وروعة الشغف المتوازن تكمن في أن الشغوف يصعب منافسته في ميادين العمل، خصوصاً إذا ما كان يجيد عمله. وعادة ما يرتكز الشغوف على نقاط قوته، ولذا يتعجب من يفتقر لذلك من جلد صاحبها وانكبابه الدائم على ما هو مولع به من عمل أو هوايات، مهما كانت صعبة. فالشغف يفتح آفاقاً جديدة ليس لصاحبه فحسب، بل للمبهورين بالشغوفين في شتى الميادين.

مشكلة الشغف عموماً أنه يفتح جبهات النقد من قبل أقرب المقربين. فكم من زوجة أو زوج طالته سهام النقد من شريكة حياته (أو العكس) بسبب الانشغال بالشغف. غير أن الشغف إذا ما كان في موضعه الصحيح، كمشروع تجاري يرجى من ورائه دخلاً جيداً للأسرة، فإنه يستحق عناء الانتظار. فمن الشغف ما تأتي ثماره بعد ردح من الزمن.

وليس كل شغف يجب أن يكون في أمر جاد. هذه الحقيقة يجب أن يعيها الناس حتى لا يثقلوا على كاهل الشغوفين الذين يعدون عملة نادرة، خصوصاً إذا ما وفقوا في تركيز جهودهم في أمر يشار إليه بالبنان.

باختصار يقصد بالشغف Passion لغة «التعلق الشديد.. أقصى الحب» كما ذكرت موسوعة المعاني على لسان الأصفهاني. و«شغف بحبه» أي «أحبه وأولع به». وهنا مكمن المشكلة التي تتطلب شيئاً من التوازن في حالة الحب الشديد هذه. غير أن جلال الدين الرومي يقول إن «الحب لا يمكن تفسيره، فهو يفسر كل شيء».

* كاتب كويتي

 

Email