هل ما زال في تونس بعض الأمل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

جاءت نتائج تقرير وكالة «موديز» لتؤكّد الوضع العليل للاقتصاد التونسي، حيث خفّض التقرير مجدّداً التصنيف الائتماني لتونس بعد إعطاء الحكومة الحالية مهلة للقيام بالإصلاحات الضرورية لإنقاذ الاقتصاد، وتحقيق التوازنات المالية المطلوبة.

التقرير الصادر عن الوكالة التي تقوم بالأبحاث الاقتصادية والتحليلات المالية، أرجع هذا التخفيض إلى عجز الحكومة التونسية التي يرأسها هشام المشيشي، وتهيمن عليها حركة «النهضة»، عن تنفيذ حزمة الشروط التي من بينها إصلاح المؤسسات العمومية، والإصلاح المالي والاقتصادي والضغط على كتلة الأجور.

التقرير عن تونس لم يغفل التأكيد على أنّ الأزمة الاجتماعية المحتدّة هي أحد الأسباب المعيقة التي تحول دون الحكومة وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

والمعلوم أنّ هذه التوتّرات الاجتماعية هي بالأساس نتاج سياسات وبرامج فاشلة تتحمّلها الحكومات المتعاقبة منذ يناير2011 وحتى قبل هذا التاريخ، وهو فشل حاولت أحزاب الحكم، وتحديداً حركة «النهضة» الإخوانية التهرّب من مسؤوليتها السياسية والفعلية، ملقية بهذه المسؤولية في كلّ مرّة على الأطراف الاجتماعية، وتحديداً الاتحاد العام التونسي للشّغل (اتّحاد العمّال).

وإنّ المتتبّع للشّأن التونسي يسهل عليه معاينة أنّ حزب «النهضة» كان اتّخذ منذ البداية قراراً بالاستفادة القصوى من موقعه كحزب فائز في الانتخابات، وهو ما يخوّل له التحكّم في المسار الحكومي والبرلماني نتيجة لتشتّت المشهد الحزبي، وفي الوقت نفسه الرفض التام والمطلق لتحمّل مسؤولية السياسات التي تنتهجها الحكومة.

ولا يخفى أنّ الوضع المزري للمالية العمومية تفاقم بعد 2011 نتيجة السياسات الحكومية التي تتحمّلها بالكامل «النهضة» الإخوانية، ومن ذلك إغراق الإدارة بالانتدابات التي فاقت الـ120 ألف ممّن اعتبروا من ضحايا «مرحلة الاستبداد»، فضلاً عن التكلفة المباشرة وغير المباشرة للعفو التشريعي العام الراجع نفعه أساساً إلى المنتمين لـ«النهضة الإخوانية»، والذين أضحوا يمثلون المخزون الانتخابي الدائم، إنْ كان ذلك في الانتخابات أو في تعبئة الشارع.

وفي مقابل ذلك، تحاول «النهضة» إيهام الرأي العام الوطني والدولي بأنّ مسؤولية الخراب الذي آلت إليه تونس تعود إلى معارضيها من الأحزاب السياسية ومن الأطراف الاجتماعية.

إنّ الخط الثابت لسياسة «النهضة» هو تحقيق المنفعة لقيادييها ولأعضائها - وإنْ كان ذلك في خرق واضح لمبدأ المساواة بينهم - دون «التلوث» ودفع ضريبة فشل السياسات.

وفي الرسائل التي توجّه بها رئيس حركة «النهضة» راشد الغنوشي إلى إدارة بايدن، والتي حمّل فيها معارضيه مسؤولية الفشل في الحُكْمِ، دليل إفادة على ذلك.

إنّ إقراره في هذه الرسائل بأنّ مسؤولية حزبه هي على قدر حجمه في الحكومة هو في واقع الأمر تضليل وإخفاء لحقيقة أنّ الحزب الإخواني هو الحائز الفعلي على الجزء الأكبر من السلطة في تونس، وأنّه لم يترك لـ«حلفائه» في الحُكْمِ غير الفُتات.

وإنّ في محاولة استعراض القوّة في الشارع التونسي تحت شعار «تثبيت الشرعية» هو مثال إضافي على أنّ حركة «النهضة» لا تترك فرصة تمرّ دون التلويح بأنّها تمتلك القدرة على تعبئة الشارع تحضيراً للاستحقاقات الانتخابية، ولكنّ هذا التلويح يستبطن رسالة تهديد مضمونة الوصول إلى الأطراف الحزبية والاجتماعية وحتّى الدولية، مفادها أنّ «الحرب الأهلية» هي البديل الوحيد عن «حوار وطني» لا تكون فيه «النهضة» طرفاً مقبولاً وأساسياً وفاعلاً.

وبالعودة إلى الوضع الاقتصادي، تتّجه آراء أغلب المتابعين بأنّ تونس بلغت مرحلة متقدّمة جدّاً في الأزمة، وهي، كما ذهب إلى ذلك البعض، تراوح بين الموت السّريري و«التصفية»، وذلك تشبيهاً بالشركات التي تعرف صعوبات مستعصية.

إنّ الحلول آفاقها منعدمة وحتّى معدومة في ضوء استمرار الهيمنة «الإخوانية» على الحُكْمِ في تونس، وإنّ الحوار بين الأطراف الحزبية والمجتمعية سيكون إعادة إنتاج لواقع الأزمة، ولن يكون بحال من الأحوال سبيلاً لخلاص البلاد والعباد من الشعور باليأس والإحباط، بل سيوفّر مزيداً من الذرائع لـ«النهضة» كي تستمرّ في الحُكْمِ بأخفّ الأضرار والتكاليف السياسية.

وإنّ أخطر ما قد يهدّد المجتمع والدولة في تونس، أنْ يتمّ الدفع بالوضع إلى مزيد من التأزّم فتجد تونس نفسها محكومة بتحالف أو تقارب بين «نهضة إخوانية» لا تريد أن تتزحزح عن الحكم، وتيّار شعبويّ اكتشف السلطة بالصدفة فأغوته واستهوته، وأضحى مستعدّاً لتقديم التنازلات من أجلها تحت عناوين وشعارات مختلفة، ليس أقلّها «تحقيق أهداف ثورة» ليست موجودة سوى في أذهان أصحابها، أو بعنوان محاربة أعداء وهميين.

إنّ تحالف «البطش الإخواني» الذي لا مفرّ منه في ضوء الواقع الحالي مع الوهم الشّعبوي، سينتقل بتونس من حالة التصفية والموت السريري، إلى حالة الخراب والعدم. والسؤال هو، هل مازال في تونس ما يبعث على الأمل من جديد؟!

Email