ارقدا بأمان أيها الشيخان

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل الأعمال العظيمة تبدأ بأحلام كبيرة، والأحلام الكبيرة لا يحققها إلا القادة العظماء. وقد كان اتحاد الإمارات حلماً كبيراً سكن عقل ووجدان قائدين عظيمين من قادة هذا الوطن، في زمن كان خيال الكثيرين فيه محدوداً، وكانت أحلامهم صغيرة.

حدث هذا قبل أكثر من خمسين عاماً، في الثامن عشر من شهر فبراير عام 1968 على وجه التحديد، عندما اجتمع المغفور لهما؛ الشيخان زايد بن سلطان آل نهيان، وراشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراهما، في خيمة فوق كثيب رملي في منطقة «سيح السديرة» الواقعة بين إمارتي أبوظبي ودبي، وتبادلا الحديث حول حلميهما الكبيرين، وأنهياه بتوقيع اتفاق لتأسيس اتحاد بين الإمارتين، يكون نواة لاتحاد أكبر يضم كل إمارات المنطقة، التي لم تكن قد تحررت من الاستعمار البريطاني آنذاك، تستعد به لخروج بريطانيا من منطقة شرق السويس الذي حددت له نهاية عام 1971.

من داخل خيمة صغيرة فوق ذلك الكثيب الرملي وقّع الشيخان اتفاقاً تاريخياً هو الأهم في ذلك الوقت، ليبدأ بعد إعلان هذا الاتفاق، حراك سياسي يهدف إلى إنشاء اتحاد تساعي يضم إمارات الساحل المتصالح السبع، كما كان يطلق عليها في ذلك الوقت، بالإضافة إلى البحرين وقطر.

لكن الصعوبات التي ظهرت في طريق إنشاء الاتحاد التساعي عرقلت قيامه، وأدت إلى إعلان البحرين وقطر استقلالهما منفردتين، بينما نجحت «روح الاتحاد» التي سادت بين حكام الإمارات السبع في الإعلان في الثاني من ديسمبر عام 1971 عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، محققة بذلك حلم الشيخين الراحلين، الذي توحد مع أحلام حكام الإمارات الأخرى، ليصنع تاريخاً جديداً لهذه الأرض الطيبة.

فكرة الوحدة ليست طارئة على المنطقة، فمنذ مطلع القرن العشرين وهذه الفكرة تداعب أحلام حكام الإمارات. وقد أعرب الشيخ زايد بن خليفة الأول في اجتماع «الخوانيج» عام 1906 عن رغبته في تحقيق هذه الوحدة بين الإمارات، لكن هذه الرغبة لم تتحقق لأسباب تتعلق بالظروف السياسية التي كانت قائمة في تلك المرحلة.

وتبعت تلك المحاولة محاولات أخرى على فترات زمنية مختلفة طوال ذلك القرن، الذي شهد حربين عالميتين وأحداثاً غيرت خارطة العالم والمنطقة، لكنها لم تغير حلم وتوق أبناء الإمارات، خلال مختلف المراحل، إلى الاندماج في بوتقة توحد جهودهم، وتجمعهم تحت راية واحدة في دولة واحدة، أثبتت منذ قيامها قبل 49 عاماً أنها أنجح تجربة وحدوية في تاريخ الأمة العربية، وأجمل حلم تحقق على مدى هذا التاريخ، وأكبر إنجاز حفظ لهذا الجزء من الوطن العربي أمنه وسلامته.

لقد أثبتت تجارب الشعوب والأمم، أن الكثير من الأفكار الوحدوية تنهار وتنتهي بذهاب أصحابها، أو تغير الظروف التي أحاطت بنشأتها. حدث هذا في الكثير من الدول، مثل الاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا والعديد من دول البلقان على سبيل المثال. لكن دولة الإمارات العربية المتحدة حافظت على كيانها ووحدتها بعد ذهاب الآباء المؤسسين وانتقالهم إلى رحمة الله تعالى.

ورغم الأحداث الجسام التي ألمت بالمنطقة خلال السنوات الماضية، والظروف الصعبة التي عاشتها شعوبها، إلا أن اتحاد الإمارات ظل يزداد قوة، وعاماً بعد عام، أثبت أن جذوره راسخة، وأن شجرته باسقة لا تحرك أغصانها الرياح العاتية، وأن سفينته مبحرة لا تمزق أشرعتها العواصف المدمرة، ولا تغير مسارها التيارات مهما كانت قوتها. فقد آمن الأبناء الأوفياء بما آمن به الآباء المؤسسون، ومضوا يدعمون البناء ويعلون صرحه.

لم يواجه اتحاد الإمارات تحديات داخلية خلال مسيرته، لكن التحديات الخارجية كانت كبيرة، وخاصة خلال العقد الأخير الذي شهدت دول المنطقة والإقليم فيه أحداثاً جساماً عصفت بأمنها واستقرارها، وواجهت أطماعاً من جيرانها، والمتربصين بها من أعدائها.

ولولا الوقفة الشجاعة لقادة دولة الإمارات وتصديهم لهذه الأطماع والمؤامرات، وتحالفهم مع المخلصين من الأشقاء والأصدقاء، لتغيرت خارطة المنطقة، وسيطر عليها الطامعون وأصحاب الأجندات الخفية والحالمون بإعادة مجد إمبراطورياتهم الهالكة إلى الحياة.

واليوم عندما تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة بيومها الوطني التاسع والأربعين، وتحتفي بشهدائها الأبرار، الذين قدموا أرواحهم رخيصة من أجل حماية الوطن، والمحافظة على عزته وكرامته، نقول لمؤسسَي هذا الصرح الشامخ: ارقدا بأمان أيها الشيخان، لقد آتى الغرس أُكُلَه.

 

 

Email