الفخر والتفاخر لمن يصنع الفرص

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهدنا خلال الأيام الماضية العديد من المنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي يتغنى أصحابها بأصول مخترعي لقاح «كورونا» المستجد التابع لشركة فايزر العالمية، والذي تم اختراعه من قبل شركة بيونتيك الألمانية لحساب شركة فايزر الأمريكية، على يد العالمان الألمانيان أوغر شاهين وزوجته أوزلم، وراح أصحاب هذه المنشورات بالتغني بأن هذين العالمين ينحدران من أصول تركية، وقال البعض إن رئيس مجلس إدارة شركة موديرنا والتي أعلنت التوصل للقاح فعال لفيروس كورونا، من أصول لبنانية واسمه «نوبر ايفيان».

لا أعلم لماذا ما زال البعض يتفاخر ويتغنى بأصول أمثال هؤلاء العلماء وهم من تركوا أوطانهم قبل عشرات السنين، وأغلبهم لم يولد في الوطن الذي تنحدر أصوله منه، لا هو ولا حتى أبوه، فماذا فعلت الأصول لهؤلاء، هل جعلت منهم عباقرة؟ أم أن أصولهم كان لها دور في اكتشافاتهم ونتاج عقولهم؟ أم أن ماضيهم كان له ارتباط بمستقبلهم؟

من الجيد وقبل أن نتغنى بأصول العالم والناجح الفلاني أن ندرك حقيقيةً لا مفر منها، أن هؤلاء ربما لو بقوا في أوطانهم الأصلية لما وصلوا لهذه الاكتشافات، ولما حققوا كل هذه النجاحات، فالدول التي يعيشون فيها لها الفضل بنتاج هذه العقول، فهي من وفرت لهم البيئة الحاضنة لعقولهم، وهي من ساعدتهم في الحصول على تعليم جيد مكنهم من الارتقاء، وهي من شجعتهم ليكونوا في أعلى سلالم النجاح، وشعوب هذه الدول هي من لها الحق بأن تتفاخر بإنجازاتهم، وهم من يحق لهم أن يتغنوا بها.

هذا الجدل يأخذنا لنقطة مهمة، فعندما نسترجع سيرة ومسيرة الكثير من العلماء، ونجد بأنهم قد تركوا بلدانهم وحققوا إنجازاتهم خارجها، فحينها يتشكل السؤال في أذهاننا، هل كان لهؤلاء أن يصلوا لهذا الاكتشاف أو الإنجاز لو بقوا في دولهم؟ وبالطبع ستكون أغلب الإجابات «لا»، لأن النظام المهتم بالبحث العلمي، والذي يملك البنية التحتية والتشريعية، هو من له أيضاً الكثير من التأثير في الوصول لأعظم الاكتشافات والاختراعات.

البيئة الحاضنة للمواهب والمشجعة لأصحاب العقول، هي من لها الفضل بكل إنجاز أو اختراع، والدولة التي تستقطب العقول وتفتح لهم الأبواب وتمكنهم من الإنجاز، هي من لها الفضل في تنمية المواهب وتشجيع الابتكار، والأمر الآخر والأهم، أن مثل هذه الإنجازات العلمية تحتاج لمختبرات وأجهزة ومعدات ساهمت أو سهلت الوصول للاكتشافات، ومن هنا تكمن أهمية البيئة المحيطة بأي إنسان، وهي من تؤثر فعلاً على حياته بشكل كبير.

العلماء والمخترعون وأصحاب الإنجازات الكبيرة، لا ينحصرون في عرق أو شعب أو طائفة أو دين، والعلم لا يعترف إلا بالقدرات العقلية والإنجازات، فقط يعترف بعقل فكر وتفكّر وخرج بما لا يستطيع غيره أن يوجده، أما أصدقاؤنا المتغنون بالأصول فتفكيرهم عاجز وقاصر، ويبحثون عن أي أمجاد ليتغنوا بها مهما كان نوعها أو شكلها.

إن أردنا أن نتغنى، فعلينا أن نتغنى بالإنجاز والمنجز، لا أن نربط هذا الأمر بأصل ولا بجنسية، فالإنسان يبدع ويبتكر عندما تتاح له الفرص، وتذلل أمامه العقبات، خصوصاً في عصرنا الحالي الذي لم يعد فيه شيء متروك للصدفة، وإنما كل شيء فيه مرتبط بالتنظيم والتخطيط.

عندما نريد أن نتغنى بإنجازات دولة أو فئة معينة، فيجب أن تكون هذه الدولة وهذه الفئة هي من ساعدت بكامل تفاصيلها وإمكانياتها لظهور أي اختراع أو اكتشاف، وحينها يحق لنا التفاخر، وغير ذلك فلنترك التفاخر لمن يحق له التفاخر، ولا يجب علينا أن نقحم عنصريتنا في مثل هذه الأمور، وإلا فسدت مفخرتنا وتحولت لعنصرية قاتمة، علينا محاربتها لا إيجادها.

 

 

Email