لا قيمة لحضارة دون قيَم

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينبغي علينا أن نقف طويلاً أمام تدوينة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، للتفكير حول تعليقه على قصة «الطائر الجريح» الذي أبلغت عنه إحدى مرتادات أحد شواطئ دبي، لأن «التدوينة» التي نشرها سموه تبعث بعض الرسائل والمعاني لقيم مجتمع الإمارات إلى العديد من الأماكن في العالم بشأن حاجة الإنسان وكل الكائنات إلى الأمل في العيش، والحفاظ على حياتهم.

فقد دون سموه على حسابه في «تويتر»، يوم الجمعة الماضي، قائلاً: «رولا.. الراحمون يرحمهم الرحمن.. شكراً لقصتك الجميلة.. شكراً لبلدية دبي.. ونسأل الله أن يديم رحمته على هذا البلد الطيب.. لا قيمة لأية حضارة بدون قيَم.. قيَم تعطينا معنى لإنسانيتنا».

دولة الإمارات، وفي القلب منها إمارة دبي، هي اليوم، إحدى القلاع الكبيرة في إعادة تصنيع الحضارة، وقد اكتسبت شهرتها بأنها بيئة حاضنة للإنسانية والباحثين عن العيش الكريم، حيث تستضيف كل جنسيات العالم ودياناتهم وطوائفهم المختلفة ويعيشون بأمان.

وقد أعطتها تلك السمة مكانة عالمية بارزة في مجال التنمية الحضارية في مختلف المجالات المتصلة بالإنسان، إلا أنه يبقى قبل الحديث عن تطوير الحضارة المادية (التي يتسابق عليها العالم كله ويتنافسون من أجل تحقيق الأرباح) فإن الحديث عنها - الحضارة - في دولة الإمارات مرتبط بالقيم الإنسانية لأنه بدون تلك القيم والمبادئ فإنه لا معنى لكل ذلك.

الاهتمام بنشر تفاصيل قصة إنقاذ طائر مصاب في إمارة دبي، ليس هو الهدف النهائي، لأن هناك الكثير من هذه الحالات والمواقف وربما يومية، ولكن ما تحمله تلك القصة من عبر ودروس هو المراد منها، خاصة في ظل مناخ سياسي يدمر كل شيء ويمعن في إنهاء الحياة بمفهومها الواسع بدءاً من الإنسان مروراً بالحيوان والطبيعة، وربما النقطة الأهم في هذه التدوينة، ذلك الفرق بين من يصنع حضارة ويعمل على إعادة إحياء أمجاد لحضارات كانت موجودة، وبين ما يخربها تحت مسميات مختلفة.

قد يستغرب البعض من التدخل الحكومي لإنقاذ طائر عاجز عن الحركة، ولكن لو أسقطنا مفهوم اهتمام قيادة دولة الإمارات بالحفاظ على الحياة، فإنها في دولة الإمارات، ليست قاصرة على الإنسان الذي يحتل أعلى مراتبها في الاهتمام، ولكن هذا التدخل الحكومي يشمل كل كائن، بما فيها الحيوان والطبيعة، إذ إن هناك أيضاً مبادرة إماراتية لإعادة زراعة الصحراء بشجرة الغاف، وقد اعتمدها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لتكون الشجرة الرسمية لدولة الإمارات، وهناك محميات، بعضها صناعية، للحفاظ على الحياة البرية.

فهذه هي استراتيجية دولة الإمارات منذ تأسيسها، والتي مكنتها لتكون اليوم واحة سلام وعيش مشترك، وقبلة للباحثين عن الأمان، لهذا لا غرابة في السعي نحو العيش في إمارة دبي أو في عموم دولة الإمارات.

إن العمل من أجل الحفاظ على الحياة، هو وحده الذي يعطي قيمة ومعنى لأي حضارة إنسانية، وإذا كان طائر جريح حرك أحد أفراد المجتمع لمساعدته، ودفع بمؤسسة حكومية في إمارة دبي للإسراع لإنقاذه، ومن ثم يتفاعل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مع القصة، ويشكرهم على عملهم، يدفعنا لأن نتساءل هل هناك تفسير آخر لمعنى القيم الإنسانية في الحفاظ على الحياة؟! وهل يكفي بمن يدعي حضارة وتاريخ لكنه يدفع إلى تدمير الحياة، هذا المثال النموذجي بشأن إنهاء تخريب والتفكير في تدمير المجتمعات في العالم؟!

النهج الإماراتي في إيجاد أسباب الحياة وتعمير الأرض مستمر، فهما الغاية النهائية التي يعمل قادتنا عليهما، ورغم كل الظروف التي تحيط بالعالم، سواء كانت بفعل الإنسان أو بالطبيعة، تبقى سياسة الإمارات مصرة على الحفاظ على تلك القيم التي تميزها عن أي مجتمع آخر، وما حدث في تلك القصة يتطابق تماماً مع الرؤية الحكيمة للقيادة الإماراتية منذ قيام الدولة، وستبقى هي السمة الأساسية خلال المراحل المقبلة، لأنها جزء من قيم مجتمعنا، والتي بدونها لا قيمة للحضارة، مهما حققت من نجاحات، فسقوط كل الحضارات بدأ بسقوط قيمها.

 

 

Email