بعد فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة، يتبادر إلى الذهن سؤال عن ماهية سياسة بايدن تجاه منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

وقد شاركت الأسبوع الماضي بجلسة في ملتقى أبوظبي الاستراتيجي السادس حول «الخليج وإعادة الحسابات»، وبطبيعة الحال تطرقت الجلسة إلى موضوع الساعة وهي الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وهناك دائماً قلق يساور شعوب العالم والمنطقة عندما تتغير الرئاسة الأمريكية كل أربع أو ثماني سنوات. ويعود السبب في ذلك إلى التأثير الكبير للولايات المتحدة على العالم، وخاصة منطقة الشرق الأوسط.

ويخشى البعض في المنطقة من أن سياسة بايدن، ستكون أشبه بفترة ثالثة لإدارة أوباما، التي توجه لها اتهامات عديدة بشأن دعمها ما يسمى بـ«الربيع العربي» وتمكين «الإخوان» من السيطرة على مقاليد الحكم في بلدان عربية، أبرزها مصر. وبغض النظر عن صحة هذا الاتهام، إلا أنها هواجس حقيقية.

ولكن بايدن يختلف عن سلفه أوباما، فبايدن سياسي من الطراز الأول حيث مارس السياسة لقرابة نصف قرن، بينما جاء أوباما من خلفية مختلفة، وكان حديث عهد بالسياسة عندما استلم الحكم في عام 2009، وكان يتميز بميول مثالية قد تتعارض مع معترك السياسة الدولية والتي تتسم بالتنافس الشديد بين الدول.

ومما نستطيع استبيانه من مقدمات لسياسة بايدن الخارجية تجاه الشرق الأوسط، فهي قطعاً ستكون مخالفة لسياسة دونالد ترامب. وسيتمثل أول اختلاف في العلاقة مع إيران، فالرئيس المنتخب وعد بمراجعة الاتفاق النووي مع إيران، الذي انسحب منه سلفه ترامب قبل عامين.

ولكن بايدن، والذي شغل لسنوات عديدة رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إضافة إلى ثمانية أعوام كنائب للرئيس، يتمتع بخبرات واسعة في الشأن الخارجي. وسوف يكون الهدف الرئيسي لعودته إلى الاتفاق النووي تجاوز مثالبه، مثل وضع حد نهائي للتخصيب ووسائل الإيصال المتعلقة بالصواريخ الباليستية، كما أنه من المتوقع أن تصر إدارة بايدن على مواجهة تدخلات إيران في المنطقة ومحاولاتها لزعزعة الاستقرار الإقليمي عبر هذه التدخلات.

وبالنسبة للقضية الفلسطينية، هناك أنباءعن احتمال عودة التواصل بين واشنطن والسلطة الفلسطينية، حيث يعتزم بايدن إعادة فتح مكتب الاستعلام الفلسطيني في واشنطن، كما أن الإدارة الجديدة قد تعيد المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة للسلطة ووكالة الأونروا للاجئين الفلسطينيين.

ويعتبر بايدن من أقرب المقربين لإسرائيل، ولا يتوقع أن يكون هناك أي جفاء مع القيادة الإسرائيلية، كما كان عليه الحال في زمن الرئيس أوباما، وإذا ما أحسن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو استغلال هذا التطور، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ستكون على أتم وجه. أما إذا أصر نتانياهو على بناء المزيد من المستوطنات، فإن العلاقة ستكون متوترة مع الإدارة الجديدة.

ولن يقوم بايدن بالتراجع عن القرارات التي اتخذها ترامب، وستظل السفارة الأمريكية في القدس، ولن تتراجع واشنطن عن اعترافها بهضبة الجولان كجزء من إسرائيل، ولكن ضم أراضي الضفة والمستوطنات مسألة أخرى.

وبالنسبة لتركيا، فان العلاقة الجيدة مع إدارة الرئيس الحالي ستتحول، تحت إدارة بايدن، إلى علاقة تشوبها كثير من الخلافات. ولعل أول هذه الخلافات ستكون حول النشاطات المحمومة لتركيا في منطقة شرق المتوسط. وثاني مصدر للتوتر سيكون ليبيا، حيث ستحاول الإدارة الجديدة وضع حد للصراع، وتقليص الدور التركي فيها. ولا يبدو أن بايدن يكن كثيراً من الود للرئيس التركي أردوغان.

وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فهناك مصالح استراتيجية بين الطرفين، تتعلق بالنفط والاستثمارات والتسلح والتدريب والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب. كما أن احتدام التنافس الجيوسياسي بين العملاقين الولايات المتحدة والصين سيعزز من مكانة دول الخليج. فهذه الدول تمتلك احتياطات كبيرة من الطاقة والتي تتركز في منطقة جغرافية واحدة.

وأخيراً، إن أهم ما أسفرت عنه الانتخابات الأمريكية الأخيرة هو وضع حد لحالة عدم اليقين التي اتسم به عصر ترامب؛ فبين تغريدة وأخرى، ينقلب الحال إلى حال!

* كاتب وأكاديمي