أيّ مستقبل لـ«الإسلام السياسي» في الدول الغربية؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ضرب إرهاب جماعات «الإسلام السياسي» مرّة أخرى دولة فرنسا، التي نظّمت الأربعاء الماضي، موكباً وطنياً أشرف عليه رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون تكريماً لروح مدرّس تمّ اغتياله في إحدى ضواحي العاصمة الفرنسية باريس بطريقة وحشية على يد متطرّف ينتمي إلى جماعات «الإسلام السياسي».

وتتّهم جهات لها علاقة بـ«الإخوان» و«الإسلام السياسي» عموماً هذا المدرّس بالتعدّي على المقدّسات الإسلامية من خلال استعماله رسومات للرّسول الكريم في أحد دروس التربية المدنية التي ألقاها على التلاميذ، وقامت هذه الجهات بتأليب العائلات ضدّه لتنطلق حملة احتجاجية انتهت بعملية الاغتيال البشعة.

وجاءت هذه الجريمة الإرهابية، التي تأتي بعد أسبوعين من أخرى نُفّذت في باريس، على خلفية الرسومات الكاريكاتيرية التي نشرتها مجلّة «شارلي إيبدو» الساخرة.

وقد أثارت هذه الجريمة الإرهابية الجديدة ردود فعل رسمية ومجتمعية عنيفة جدّاً، إذ لأوّل مرّة تجتمع في فرنسا كلمة الأطراف السياسية والحزبية والمنظمات الأهلية، بمختلف توجّهاتها الفكرية والسياسية، على رأي وموقف واحد، وهو إدانة العملية الإرهابية من دون أيّ تحفّظ، وكذلك الإجماع على توجيه أصابع الاتهام لجماعات «الإسلام السياسي»، وطالب الجميع باقتلاعها من جذورها، وذلك بمنعها هي والجمعيات الأهلية التي تموّل نشاطها.

ولعلّها المرّة الأولى التي تفقد فيها هذه الجماعات السند السياسي التي كانت تلقاه من أطراف حزبية وسياسية، يسارية بالخصوص. وقد حمى هذا السّند نشاطها على مدى السنوات الأخيرة، وثبّت وجودها، ما مكّنها من التموقع في عدد من الأحياء بمختلف المدن والأرياف الفرنسية، التي تشهد كثافة سكّانية من المسلمين.

وأشدّ ما يخشاه الفرنسيون أن يستمرّ هذا المناخ العام الذي يصفونه بـ«الجهادي» والذي يشجّع في تقديرهم، القيام بالأعمال الإرهابية نظراً لتجذّر الظروف التي تصنع الإرهاب وترعاه.

ويُعتقد أنّ في تزايد نفوذ هذه الجماعات ما يؤشّر لتدخّل أكبر في الشّأن الداخلي الفرنسي، وهو تدخّل وصل مع الجريمة الإرهابية الأخيرة حدّ محاولة التأثير المباشر في محتويات وبرامج التعليم العمومي.

ويرى الفرنسيون أنّ جماعات «الإسلام السياسي» مدفوعة من جهات أجنبية (تركيا وقطر تحديداً) تحاول السيطرة على مستقبل الجمهورية انطلاقاً من محاولة اختراق منظومة التعليم التي تكتسي طابعاً مقدّساً لاعتبار أن المدرسة هي الفضاء الطبيعي لـ«صناعة» المواطن الفرنسي المؤمن بقيم الجمهورية.

الفرنسيون يرون أنّ هدف جماعات «الإسلام السياسي» هو تقويض الأسس الفكرية والقيمية للنموذج الحضاري الفرنسي، ولأجل ذلك اعتبروا الجريمة الإرهابية الأخيرة، منعرجاً خطيراً، يستوجب في تقديرهم اتّخاذ كلّ الإجراءات الصارمة والحاسمة والآنية، لوقف هذا النزيف وللقضاء على كلّ الأسباب المؤدّية إلى الإرهاب، وبدأ الحديث عمّا قبل العملية وما بعدها.

لذلك، طالب وزير العدل الفرنسي، النيابة العمومية بضرورة توفير كلّ الوسائل من أجل القضاء على مسبّبات الجرائم الإرهابية.

الرئيس ماكرون، من جهته، أكد جدّية وصرامة ردّ الفعل الرسمي والمجتمعي، ووعد الفرنسيين بأنه سيعمل على نقل الشعور بالخوف والرعب إلى نفوس جماعات «الإسلام السياسي» و«الإخوان» قائلاً: «لن ينام دعاة وحُماة الإرهابيين هانئين». هكذا تكلّم ماكرون وهو ما يشرّع التساؤل حول مستقبل «الإخوان» و«الإسلام السياسي» في فرنسا.

ونعتقد أن المخاوف التي عبّر عنها الفرنسيون هي ذاتها في عدد من الدول الغربية، والتي ترى هي الأخرى، أنّ جماعات «الإسلام السياسي» تمثّل خطراً حقيقياً على مجتمعاتها، الشّيء الذي يدفع إلى إعادة تقييم للعلاقة مع هذه الجماعات، وهي علاقة كانت بُنيت على خلفية تعرّض هذه الجماعات للاضطهاد في بلدانها، ليتبيّن لاحقاً لفرنسا وللغرب عموماً، أنها وفِي عمقها الفكري، جماعات فاشية، ولا علاقة لها بالقيم الديمقراطية.

إنّ الضرر الذي بدأ الغرب يحسّ بوقعه الشديد على تماسك مجتمعاته ودوله، جرّاء احتضان هذه الحركات السياسية ورعايتها، لا يقف عند هذا الحدّ، ولكنّ وجود هذه الجماعات في الدول الغربية بدأ يُلقي بظلاله على ملايين المسلمين الآمنين في تلك الدول، إذ، ومع كلّ عملية إرهابية تنفّذ في «ديار الغرب»، يعيش مسلمو أوروبا والغرب عموماً - وهم الأغلبية الساحقة قياساً بمجموعات «الإسلام السياسي»، وضعيات صعبة جدّاً، ويجدون أنفسهم مطالبين في كلّ مرّة بإظهار براءتهم وتوضيح أنّ الإسلام الحنيف، براء من هؤلاء ومن أفعالهم.

إنّ هذه الجماعات، التي قادت بلدانها إلى هاوية سحيقة، في أيّ دولة تمكّنت من السلطة فيها، ودمّرت شعوبها، لم تسعفهم حتّى خارج بلدانهم، وكانت وبالاً على البلاد والعباد أينما حلّت واستقرّ بها المقام.

Email