سقوط رهانات مهاتير للعودة للسلطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يُعرف عن السياسي الماليزي مهاتير محمد (95 عاماً) ولعه بالسلطة واستماتته من أجلها، رغم أنه حكم ماليزيا لأكثر من عقدين من الزمن (من 1981 إلى 2003)، ثم عاد إلى السلطة مجدداً عام 2018 عبر تحالف غريب مع ألد أعدائه، وهو أنور إبراهيم، قبل أن يقوم بمناورة فاشلة للتملص من اتفاقه مع الأخير حول تقاسم منصب رئيس الوزراء.

وهو لئن أبعد في أواخر فبراير 2020 بقرار من ملك ماليزيا، عاهل البلاد، الذي استخدم في ذلك صلاحياته الدستورية لصالح زميله محيي الدين ياسين (الذي نجح في تأليف تحالف سياسي جديد وحكومة جديدة)، إلا أن مهاتير لم يكفّ مذاك عن التخطيط للعودة إلى السلطة سواء بشخصه أو من خلال أحد المقربين إليه.

مؤخراً حبس الماليزيون ومراقبو الشؤون الآسيوية أنفاسهم انتظاراً لما ستسفر عنه نتائج انتخابات ولاية صباح، والتي جرت يوم 26 سبتمبر (تنافس فيها ما مجموعه 447 مرشحاً من 16 حزباً سياسياً على 73 مقعداً في الولاية التي يبلغ عدد ناخبيها نحو 1.12 مليون نسمة)، ذلك أن نتائج تلك الانتخابات لها أهمية خاصة للتحالف الهش الذي يقوده رئيس الوزراء ياسين (73 عاماً) في البرلمان الماليزي، بل ستدعم موقعه أمام محاولات مهاتير وشريكه أنور إبراهيم وأتباعهما لإسقاطه.

أما الذي حدث فكان خلاف ما توقعه مهاتير وأنصاره، إذ فاز تحالف ياسين بـ 38 مقعداً من أصل 73 في مجلس ولاية صباح، الأمر الذي يعني خروج الولاية من أيدي المعارضة وسقوطها في أيدي الحكومة التي تمر بوضع لا تحسد عليه.

وإذا ما عدنا إلى الأيام القليلة السابقة لانتخابات ولاية صباح نجد أن حرباً ضروساً ومناورات محمومة وتراشق غير مسبوق بالاتهامات حدثت على الساحة السياسية، حيث واصل مهاتير محمد اتهامه للحكومة بأنها غير شرعية؛ لأن الملك فرضها من دون انتخابات، بل أعلن تأييده الحازم لمحمد شفيع فضل (رئيس حكومة ولاية صباح المؤقت وأحد الذين عارضوا حكومة رئيس الوزراء الأسبق نجيب رزاق التي أطاح بها مهاتير عام 2018) ليكون زعيماً جديداً للبلاد على أن يكون حليفه أنور إبراهيم وابنه مخريز مهاتير نائبين لرئيس الوزراء.

أما أنور إبراهيم فقام من جهته بإطلاق إعلان جريء قال فيه إنه يحظى بدعم غالبية المشرعين اللازمين للإطاحة بحكومة ياسين، مضيفاً أنهم أفراد وليسوا أحزاباً (دون أن يكشف عن أسمائهم)، وهو ما رد عليه ياسين بوصف حركات إبراهيم بالمحاولات اليائسة لزعزعة استقرار البلاد، عبر الادعاء بوجود انشقاقات في حكومته أو اتهامها بالفساد، مضيفاً أن أقاويل إبراهيم مجرد ادعاءات عليه إثباتها وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في الدستور الفيدرالي للبلاد، وأنه لا يزال الزعيم الشرعي لماليزيا. أما المراقبون فقد رأوا في تصرفات ومزاعم إبراهيم أنها محاولات للتأثير على نتائج انتخابات ولاية صباح.

وعلى ضوء هذا التراشق، لم يكن غريباً أن يصف المراقبون الوضع في ماليزيا بالمحير والمقلق، إذ لم يسبق للكيان الاتحادي الماليزي منذ تأسيسه في سبتمبر عام 1963 أن تعرض لما يجري على ساحته السياسية من مماحكات ودسائس واتهامات بهدف الوصول إلى السلطة. ولا نبالغ لو قلنا إن المسؤولية يتحملها مهاتير محمد. فهو، بقدر ما وقف خلف تحقيق المعجزة الماليزية، فإنه، من جهة أخرى، بذر فيها بذور الشهوة إلى السلطة وظاهرة الانتقام السياسي.

ويكفي للمرء، كدليل على صحة ما نقول، الرجوع إلى الفترات الأولى من استقلال ماليزيا، والتي شهدت تداولاً سلمياً سلساً للمنصب الأعلى في البلاد دون مؤامرات أو دسائس، بدءاً من عهد رئيس الوزراء الأول تنكو عبدالرحمن (تولى السلطة من 1957 إلى 1970 وتوفي في 1990) وانتهاءً بعهد رئيس الوزراء الثالث حسين عون (حكم ما بين عامي 1976 و1981 وتوفي في 1990).

والآن وقد ظهرت نتائج انتخابات ولاية صباح، بعكس توقعات مهاتير وأنصاره، فإن على رئيس الحكومة محيي الدين ياسين، الذي لديه أغلبية ضئيلة في البرلمان الاتحادي ويقود تحالفاً فضفاضاً، أن يفي بالوعد الذي أخذه على نفسه في 18 سبتمبر الماضي حينما قال إنه سيتم إجراء انتخابات مبكرة في ماليزيا حال فوز ائتلافه الحاكم بانتخابات ولاية صباح، وذلك من أجل وضع حد للتحديات والانقسامات والاضطرابات السياسية غير المسبوقة التي تواجهها بلاده منذ انهيار الحكومة السابقة بقيادة مهاتير وتوليه شخصياً قيادة البلاد، والحيلولة دون دراما سياسية جديدة في أقل من عامين ونصف العام، علماً بأن ياسين يواجه ضغوطاً من مؤيديه وخصومه على حد سواء لإجراء الانتخابات المبكرة قبل موعدها المقرر في عام 2023.

يقول المراقبون إن فرص ياسين في الحصول على تخويل شعبي في الانتخابات المبكرة -إنْ جرت- يعتمد كثيراً على مدى نجاحه في لمّ شمل حزب المنظمة الوطنية المتحدة للملايو (أمنو) المنقسم على نفسه، والأخير هو حزب ماليزيا التاريخي الذي حقق للبلاد استقلالها عام 1957 وحكمها طوال تاريخها حتى عام 2018 حينما تمرّد عليه مهاتير محمد، ومرّغ سمعتها في الوحل.

Email