ترامب أم بايدن.. ما الذي يهمنا؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهدنا خلال الأسابيع الماضية حالة من الجدل والنقاش والتوقّعات والتحليلات للانتخابات الأمريكية المقبلة، فالبعض وصفها بأنها أشرس انتخابات منذ الحرب الأهلية الأمريكية، والبعض وصفها بأنها أصعب المعارك السياسية العالمية، والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا نهتم نحن العرب بالانتخابات الأمريكية بهذا الشكل المفرط، وكأنها انتخابات داخلية لإحدى دولنا!، ولماذا كل هذا الجدل حول شخصية الرئيس القادم سواء أكان ترامب أم بايدن؟ وما الذي يهمنا نحن في وطننا العربي؟

سواء أكان الرئيس الأمريكي القادم هو ترامب في فترة رئاسية ثانية أم بايدن في فترة رئاسية أولى، ولكن هذا يجب ألا ينسينا أن بايدن شغل منصب نائب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وبذلك يكون كلا المرشحيّن معروفين بسياساتهما وتوجهاتهما وآرائهما حول القضايا العالمية المهمة، وبالطبع منطقتنا العربية في قلب الأحداث العالمية لما فيها من صراعات وقضايا ساخنة، تجعل ساسة القرار الأمريكي ينظرون لقضايانا على أنها إحدى ساحات المنافسة، وربما هذا السبب ما يجعلنا كعرب مهتمين كثيراً بهوية الرئيس الأمريكي القادم.

وفي الحقيقة ما يهمنا ليس هوية الرئيس القادم بقدر ما يهمنا توجهات إدارته وتعامله مع ملفاتنا العالقة منذ سنوات، والتي ما زالت تلقي بظلالها على منطقتنا حتى يومنا هذا، وتعطل الكثير من المشاريع والمساعي التنموية لشعوبنا، وما يهمنا في الرئيس القادم أن يكون واضحاً تجاه قضايانا ولديه حل للصراعات العالمية، التي تتخذ من أراضينا العربية ساحة للحرب.

حقيقة لا يمكن نكرانها أن أمريكا في عهد ترامب لم تعد تقوم بدور «شرطي العالم»، كما كانت تقوم به سابقاً لتركيز إدارة ترامب على الإصلاحات الداخلية وانشغاله بالحرب التجارية مع الصين، وبالمقابل لنا تجربة مع بايدن وأوباما والتي جعلت اسميهما بالفترة الرمادية للسياسة الخارجية الأمريكية، ووجدنا أمريكا تقوم بدعم العديد من الجماعات التي تتصارع فيما بينها، وفي الفترة ذاتها، ظهر لنا فيها «داعش»، وبالفترة ذاتها، بدأت إيران بتوجهاتها النووية بمباركة أمريكية، وفي الفترة نفسها شاهدنا الكثير من التخبّطات في منطقتنا دون حل أو تدخل أمريكي جاد لإنهاء أي حالة من حالات الصراع التي عاشتها شعوبنا، ولذلك ما يهمنا في الرئيس القادم أن يكون لديه ملف حاسم تجاه الشرق الأوسط وقضاياه المعقّدة.

واقعياً؛ فإن إدارة ترامب ورغم تقليل حضورها ودورها الخارجي إلا أنه كان لها بعض المساهمات في القضاء على الإرهاب ونهاية داعش والقضاء على بعض رموز الإرهاب وقياداته، وتعطيل المشروع النووي الإيراني، بالإضافة لمساعيه للسلام العربي الإسرائيلي، وهذا يحسب لترامب على حساب منافسه بايدن، ونحن في منطقتنا لا نحتاج إلا لمن يدعم الاستقرار في منطقتنا، ويساند بعض دولنا للتخلص من التدخلات الخارجية التي تواجهها، وبداية مرحلة من السلام والتعايش في منطقتنا العربية مع جميع مكوناتها، وكتابة بداية النهاية للصراعات الدامية التي أودت بحياة مئات الآلاف من شعوبنا وهجرت الملايين.

مهما كانت نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة، وجاء من جاء كرئيس للولايات المتحدة، فعلى دولنا العربية أن لا تعوّل كثيراً على أن الحل لمنطقتنا سيأتي من البيت الأبيض فقط، فمنطقتنا تتصارع فيها قوى دولية عظمى، وعلينا إيجاد المخرج لحل النزاعات المسلحة، والمضي بتحقيق السلام.

والبداية قد بدأت بتوقيع معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل وإعلان تأييد السلام بين البحرين وإسرائيل، واتفاقات السلام في السودان، وتبقى علينا حل مشكلة سوريا ولبنان واليمن وليبيا، وهذه هي المشاكل التي توتّر الداخل العربي، وتشتت الجهود لمنطقة أكثر استقراراً، وعلينا أن نعمّق الجهود العربية لحل مشاكلنا الداخلية، بدلاً من تعميق الخلافات وسياسة التخوين التي يقودها البعض، فالإصلاح في منطقتنا لن يأتي إلا من داخل دولنا قبل أن نبحث عنه في الخارج، وسواء أكان القادم ترامب أم بايدن ما يهمنا هو تعامل هذه الإدارات مع قضايا منطقتنا بصرف النظر عن أسلوب وطريقة كل رئيس منهما، فلا تشغلنا التحليلات ولا التكهنات، بقدر ما يجب أن يشغلنا إيجاد الحلول لأوطاننا، وأن نقرأ المشهد من جميع الزوايا، فقضايا دولنا العربية متشابكة مع العديد من الدول العظمى، وعلينا أن نجد طريقة لنضع مصالح شعوبنا على قائمة الأولويات.

Email