روسيا وخطر المتطرفين في القوقاز

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما أرسلت روسيا قواتها إلى سوريا في أكتوبر 2015، قال الرئيس فلاديمير بوتين حينها: «سنذهب إلى سوريا حتى لا تأتي سوريا إلى روسيا»، وكان يقصد أنّ هدف روسيا هو محاربة الجماعات الإرهابية مثل تنظيمي القاعدة وداعش، قبل أن تنتقل العناصر القوقازية التي تحارب مع المجموعات المتطرّفة في سوريا إلى الداخل الروسي، ولكن يبدو أنّ السيناريو الذي كان يخشاه الروس طوال السنوات الخمس الماضية بات على الأبواب مع نقل تركيا الإرهابيين والمرتزقة من سوريا وليبيا وغيرها إلى منطقة ناغورني قره باغ التي يتصارع عليها كل من أرمينا وأذربيجان منذ عقود، فكيف سيغير وصول المرتزقة إلى القوقاز من معادلة الصراع الأذربيجاني الأرميني؟

إنّ من المؤكد أنّ وصول الإرهابيين إلى منطقة جنوبي القوقاز التي تضم جورجيا وأرمينيا وأذربيجان وناغورني قره باغ، سيعطي قبلة الحياة للعناصر المتطرّفة التي تكافح دول الجمهوريات الروسية في شمالي القوقاز للقضاء عليها أو على الأقل للحد منها، فحتى وقت قريب كانت المناطق التي تقع داخل روسيا مثل جمهوريات الشيشان وداغستان وأنجوشيا تعج بالعناصر الإرهابية، ومنذ 2014 و2015 كان هناك مبايعات من العناصر التكفيرية في شمالي القوقاز لأبو بكر البغدادي زعيم داعش، وليلة وصول القوات الروسية إلى سوريا عام 2015، كان تقدير جهاز الأمن الروسي أنّ هناك 4350 إرهابياً قوقازياً في سوريا والعراق، وشكل هؤلاء وغيرهم أكبر تحدٍّ لروسيا خلال العقدين الماضيين، وخاصة في الشيشان وداغستان، وأسس عمر الشيشاني جماعة متطرفة، وبعد ذلك تولى صلاح الدين الشيشاني قيادة التنظيم، وأدى الخلاف بين القاعدة وداعش في الفترة من 2013 حتى 2016 لتشكيل مجموعات قوقازية تتعاون مع الطرفين من دون الانحياز لداعش أو القاعدة.

وكان كل ذلك نتيجة نجاح استراتيجية روسية قامت على دفع أكبر من الإرهابيين للخروج من البلاد والذهاب إلى سوريا حتى يمكن مواجهتهم خارج الأراضي الروسية، الأمر الذي يفسّر الغضب الروسي الآن من قيام تركيا بإعادة نقل جزء من هؤلاء الإرهابيين من شمالي سوريا نحو جنوبي القوقاز للقتال في ناغورني قره باغ ، فكل المعلومات تؤكد أنه يجرى نقل التركمان والسوريين والقوقازيين إلى الإقليم المتنازع عليه، وهو ما سيؤدي مرة أخرى لإحياء التمرد القوقازي ضد الحكومة الروسية في جمهوريات داغستان والشيشان وأنغوشيا، بل ربما يشجع الخلايا الإرهابية النائمة في المدن الروسية الكبيرة مثل موسكو وسان بطرسبيرغ على إعادة العمليات من جديد، وربما هذا هو الدافع الوحيد لمحاولة روسيا تقديم دعم غير معلن لأرمينيا، رغم أن موسكو غير راضية عن الطبقة السياسية الحالية في يريفان وتعدها موالية لواشنطن منذ ما يسمى بالثورة المخملية في عام 2018، وستزيد هذه الخطوة التركية بنقل مئات الإرهابيين حتى الآن إلى ناغورني قره باغ من الخلاف الروسي التركي، وسيزداد الوضع تعقيداً بين البلدين ليس فقط في جنوبي القوقاز ولكن ربما في سوريا وليبيا أيضاً.

 

Email