مصر وأردوغان.. الأفعال لا الأقوال

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن الرئيس التركي رجب أردوغان وأركان إدارته يريدون اختراع نوع جديد في العلاقات الدولية. جوهر هذا النوع الجديد أن يتدخلوا كما يشاؤون في الشأن الداخلي لمصر والدول العربية، ويؤيدوا تنظيمات إرهابية، ويحتلوا ليبيا المجاورة، ثم يطالبوا مصر بأن تقبل ذلك وترحب به، وتستأنف العلاقات مع تركيا، وكأن شيئاً لم يكن!في 13 سبتمبر الحالي، تحدث ياسين أقطاي، مستشار أردوغان، وقال كلاماً يبدو في ظاهره معسولاً وفي باطنه السم الزعاف، مع قدر كبير من خلط الأحلام بالأوهام والأكاذيب.

أقطاي قال لأحد المواقع «الإخوانية»، التي تنطلق من إسطنبول، إنه لا بد أن يكون هناك تواصل بين مصر وتركيا بغض النظر عن أي خلافات سياسية بين الرئيسين السيسي وأردوغان، وإن التواجد التركي في ليبيا ليس احتلالاً، بل لإقامة السلام والإصلاح، وترك ليبيا لليبيين، وتأمل تركيا أن تتبنى مصر هذا النهج، ولو فعلت فإن مصالحها هناك مضمونة.

يضيف أقطاي في أحلامه: «لا نتمنى من الجيش المصري العظيم أن يُعادي تركيا، والتواجد التركي في شرق البحر المتوسط ليس لمهاجمة أحد».

لو أن أحداً لا يعرف ماذا تفعل تركيا منذ سنوات في المنطقة بأكملها لاعتقد للوهلة الأولى أن الحكومة التركية حمامة سلام!

إما أن أقطاي مثل رئيسه غارق في الأوهام، أو أنه يمارس تضليلاً وتزييفاً، للواقع بصورة منهجية. يريد أقطاي من مصر أن تكون علاقتها عادية مع تركيا، وألا تلتفت إلى السياسات التركية. في تركيا العشرات من وسائل الإعلام «الإخوانية» التي تمارس تحريضاً ممنهجاً على العنف والإرهاب في مصر، بدعم كامل من حكومة أردوغان. هو يطالب مصر بألا تخلط بين سياسات أردوغان وسياسات بلاده، وكأن أردوغان يحكم دولة غير تركيا، ويسخر كل إمكانياتها لتخريب المنطقة العربية، وفي مقدمتها مصر، ويوجه انتقادات واتهامات وافتراءات لمصر وحكومتها ورئيسها وسائر الدول العربية الكبرى التي ترفض سياساته.

هو يرى أن وجود مرتزقة بلاده في ليبيا، ودعمها الميليشيات المتطرفة والإرهابية والإجرامية هناك، لصالح ليبيا والليبيين، وعلى مصر أن تقبل ذلك، وإذا فعلت، فسوف تتكرم تركيا، وتحافظ على مصالح مصر هناك!

هو يغازل الجيش المصري ويقول إنه لا يمكن أن يحارب تركيا؛ لأنه «جيش عظيم ومسلم»، لكنه لا يعرف أن الجيش المصري لا يحارب إلا أعداء بلاده وكل من يحاول المساس بالأمن القومي المصري. والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، الرئيس عبدالفتاح السيسي، هو الذي أعلن قبل شهور الخطوط الحمراء لمصر في ليبيا، وأنها لن تقبل أي تهديد للأمن القومي المصري.

أقطاي يقول إن بلاده لن تهاجم أحداً في شرق المتوسط، وينسى أن رئيسه يهدد ليل نهار كل دول المنطقة من مصر إلى فرنسا، ومن قبرص إلى اليونان، ويرسل سفنه الحربية، لمرافقة السفن التركية التي تنقب عنوة عن الغاز في المياه الاقتصادية الخالصة لقبرص واليونان.

من يقرأ كلام أقطاي يتصوّر أن السفن الحربية التركية تصطاد الأسماك والعصافير في شرق المتوسط، ولا تهدد دول المنطقة أو تحاول السطو على ثرواتها!في هذا الحوار أيضاً يحاول أقطاي عبثاً الإساءة للعلاقات المصرية الإماراتية بطريقة خبيثة، بل ويتهكم على الجامعة العربية، ويعيد تعريف العروبة، ويمنح صكوكها لمن يشاء، ويحجبها عمن يشاء، وينسى أن جيشه يهاجم سوريا والعراق ليل نهار، وتدعم حكومته الحوثيين في اليمن، والميليشيات المتطرفة و«الإخوان» في ليبيا، التي يعتبرها «إرث أجداده»، ويحاول إثارة القلاقل لمصر والخليج، وعلاوة على ذلك كله، ينسى فشله في إقامة قاعدة عسكرية في السودان.

كلام أقطاي يقول إن حكومته تعيش في عالم كامل من الأوهام، لكن من جهة أخرى، ربما يكشف أنهم بدأوا يدركون العزلة التي تعانيها تركيا بسبب سياسات أردوغان، الذي بدأ هو أيضاً في مغازلة مصر بالكلام المعسول، بعد أن بدأت كل أحلامه وأوهامه في التبخّر.

أفضل رد على كلام أقطاي كان وزير الخارجية المصري سامح شكري حينما قال: «نحن نؤمن ونرصد الأفعال وليس الأقوال، وإذا لم يحدث ذلك، فلا أهمية لأي تصريحات، خاصة أن ما نراه، بالتواجد على الأراضي السورية والعراقية والليبية، وما يحدث في شرق المتوسط، يبني سياسات لزعزعة الاستقرار».

إذاً رسالة مصر إلى أردوغان، وربما رسالة كل المنطقة هي: «نريد أفعالاً وليس أقوالاً».

* رئيس تحرير «الشروق» المصرية

 

Email