القانون للجميع

تفسير بعض قواعد الأصول الفقهية التفسيرية المهمة «3»

ت + ت - الحجم الطبيعي

نَختتم اليوم سلسلة مقالاتنا التي شرعنا من خلالها في شرح وتفسير بعض القواعد الهادية والمعينة على تفسير وتطبيق نصوص القانون والتي وردت في قانون المعاملات المدنية، ودافعنا لذلك كان أهميتها ودورها الجوهري في الأحكام التي يصدرها القضاء. وسنعرض في مقال اليوم لآخر ما اخترناه وانتقيناهُ من تلكم القواعد بشيء من التفسير والتوضيح.

القاعدة التي سنبدأ بها مقالنا هي قاعدة «الخراج بالضمان» ويقصد بالخراج ما ينتج منه النتاج وما يغل من الغلات كألبان الحيوانات وبدل إيجار العقار وغلة الأرض، وأما الضمان فيقصد به الإنفاق على الحيوان ومصروفات عمارة العقار، والمقصود العام بالقاعدة أن من يضمن شيئاً لو تلف ينتفع به في مقابل الضمان، فلو رد المشتري ــ مثلاً ــ حيواناً بخيار العيب بعد أن استعمله مدة من الزمن، لا تلزمه أجرته فمن يضمن شيئاً إذا تلف يكون نفع ذلك الشيء له في مقابل ضمانه له في حال تلفه.

القاعدة الأخرى التي سنعرض لها هي قاعدة «الغرم بالغنم» وهي عكس القاعدة السابقة، ويعنى بها أن من ينال نفع الشيء يجب أن يتحمل ضرره، الشريك الذي ينال نسبة من الأرباح عليه أن يتحمل ذات النسبة في حالة الخسارة وكذلك الحال بالنسبة للعقار المملوك ملكية مشتركة فإن نفقة تعميره وصيانته وترميمه يدفعها الشركاء جميعاً بحسب حصة كل منهم في الملك.

القاعدة قبل الأخيرة التي سَنشرحها هي قاعدة «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه»، وهي قاعدة مستقاة من قاعدة أخرى وهي «من استعجل ما أخره الشرع يجازى برده»، وهذه القاعدة تتوافق مع مبادئ العدالة، فعلى سبيل المثال، إن أقدم الوارث على قتل مورثه، قتلاً يوجب القصاص أو الكفارة، فإن ذلك الوراث يحرم من الميراث، حيث إنه قصد بالقتل استعجال ميقات إرثه فكان من الأقوم والأعدل والمنطقي أن يجازى بخلاف مقصوده ولا يمكن من إرث من أقدم على قتله لكون ذلك يمثل مكافأة له على صنيعه.

القاعدة الأخيرة هي قاعدة «من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه»، فإن أقدم شخص ما على نقض ما أجراه بيده وتم من جهته بطوعه واختياره وإرادته المعتبرة شرعاً وقانوناً، ثم أراد نقض ما تمَّ فلا تؤخذ رغبته في النقض في الاعتبار ولا تقبل منه، ويكون سعيه مردوداً عليه، لأنه والحال كذلك يكون متناقضاً في سعيه مع ما كان أتمه وأبرمه بنفسه. وكمثال توضيحي للمقصود من القاعدة، فإن قيام شخص ببيع شيء ما لمشترٍ وقيام شخص ثالث بكفالة المبيع، فإنه وفي هذه الحالة لا يقبل من الكفيل الادعاء بملكية الشيء المبيع لأن ذلك يتناقض مع كفالته التي كفل بها سلامة المبيع، ولو سلم شخص شخصاً آخر وديعة وأبلغه بأنه وكيل لمالك الوديعة، فلا يقبل من ذلك الوكيل طلب استرداد الوديعة بحجة عدم إثبات الوكالة التي سبق أن ادعاها بنفسه عند تسليم الوديعة، ولهذه القاعدة استثناءات، فلو ادعى المشتري لعقار ما أن البائع وقبل بيعه للعقار كان قد اتخذه مسجداً أو مقبرة أو قام بوقفه على مسجد، فعندها ينتقض البيع خلافاً لما تنص عليه القاعدة.

Email