يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متاعب جمة، وشرعيته تتضاءل داخلياً يوماً بعد آخر، خاصة بعد جائحة «كورونا». وقد واجه الرئيس الأمريكي شتى الاتهامات والتي كادت أن تودي برئاسته لولا سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ. وفرص إعادة انتخابه تتراجع يومياً، وليس هناك انتصارات أو إنجازات خارجية يشار إليها بالبنان.

وقد لفت انتباهي كتاب صدر مؤخراً عن السياسة الخارجية الأمريكية يشير إلى مجموعة من العوامل التي قوضت أسس التعامل الخارجي لإدارة ترامب. ورغم أن الكاتب يتفق من حيث المبدأ مع محاولات ترامب لتقليل من التزامات الولايات المتحدة الخارجية والتي لا تعود بالنفع عليها.

ويقول ستفين والت، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفرد، إن شعارات ترامب كانت جاذبة للناخب والذي سئم من تدخلات واشنطن في الشأن الخارجي، وعمليات بناء الدول الأخرى على حساب الاستثمار الداخلي وبناء البنية التحتية المهترئة. ويرى الكاتب أن أطروحات ترامب قد تكون صحيحة ولكن تنفيذ هذه الأفكار، علاوة على التصرفات الشخصية للرئيس يشين كل أعماله وسياساته.

أم الأخطاء الجسام، فمنها أن ترامب خرج من اتفاقية الشراكة عبر الباسفيك رغم أن هذه الخطوة قدمت خدمة إلى الصين، الخصم الرئيس للولايات المتحدة. وقد أدى ذلك إلى إحباط من قبل الحلفاء الآسيويين، وأعطى الصين فرصة لزيادة نفوذها في المنطقة، بالإضافة إلى تفويت الفرصة لتعزيز نفوذ الولايات المتحدة، وخسارة المصدرين الأمريكيين لأسواق كانت ستفيد منتجاتهم.

وينطبق الشيء نفسه على المواجهة مع كوريا الشمالية وامتلاكها الأسلحة النووية، والتي أخذتها الإدارات المتعاقبة على محمل الجد. ولكن أسلوب الرئيس وتهديداته زادت من قناعة كوريا الشمالية بضرورة حيازتها أسلحة نووية لردع أي عدوان من أمريكا وحلفائها في المنطقة. كما أن الانسحاب من اتفاق (1+5) عزز من شكوك الكوريين الشماليين تجاه واشنطن.

ويضيف الكاتب أن ترامب يدعي بأنه ماهر في عقد الصفقات وأنه مفاوض متمرس. وقد نشر كتاب يتحدث عن فن الصفقات، وفي نفس الوقت تجده يعطي هبات مجانية لمفاوضيه دون الحصول على مقابل جيد. وقد أعطى للصين فرصة كبيرة لتعزيز موقعها في آسيا حين انسحب من اتفاقية الشراكة عبر الباسفيك.

وأعطى للرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون قمة معه في سنغافورة، وصبغ عليه شرعية ومكانة دون أن ينال منه وعوداً قاطعة بالتخلي عن الأسلحة النووية.

وألغى مناورة عسكرية مع كوريا الجنوبية إرضاء لبيونغيانغ دون مقابل. ونفس الحال ينطبق على تعامل ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والذي نال مناه دون أن ينال منه تنازلاً بشأن المسيرة السلمية أو ما يسميه ترامب «صفقة القرن».

وآخر هذه الهبات المجانية هي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. ويقول الكاتب إن ترامب فعلها ليرضي أكبر المتبرعين لحملته الانتخابية، وهو الصهيوني العريق ومالك أكبر كازينوهات القمار، شيلدون اديلسون.

ولم تعزز هذه الخطوة وضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وقد امتنع رؤساء أمريكا، منذ احتلال المدينة المقدسة، عن الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، مهما كانت العلاقات مع إسرائيل في عهدهم. ويرى الكاتب أن ترامب قد خسر ورقة رابحة من دون الحصول على مقابل من إسرائيل.

ويحاول الرئيس التصعيد مع الصين في الوقت الحالي لزيادة شعبيته وتعزيز موقعه الانتخابي في نوفمبر، والذي بدأ يخيم عليه شبح الهزيمة من قبل خصمه الديمقراطي جو بايدن. ورغم أن ترامب يحظى بدعم من قبل الحلفاء البريطانيين، إلا أن موقف واشنطن يبدو معزولاً مع بقية الحلفاء التقليديين حتى في الشرق الأوسط.

ولم يتبق إلا أقل من تسعين يوماً على الانتخابات الرئاسية، ولا يبدو أن ترامب يستطيع تحقيق نجاح مذهل في السياسة الخارجية خلال هذه الفترة الوجيزة. ولكن كما قال الشاعر. «والليالي من الزمان حبالى صامتات يلدن كل عجيب».