شباب على حافة التقاعد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتنافس اليوم على السباق الرئاسي الأمريكي الرئيس الحالي دونالد ترامب، ونائب الرئيس السابق جو بايدن، والجدير بالذكر أن الأول يبلغ من العمر 74 سنة، أما الثاني فعمره 77 سنة، ورغم كبر سنهما إلا أنهما ما زالا يتنافسان لخدمة أمريكا، وما زالت لديهما الحيوية والطاقة لخوض أصعب معركة انتخابية في العالم.

لقد وجدت العديد من الدراسات أن الإنسان في عمر الـ 60 عاماً يصل إلى ذروة الإنتاج وخلاصة الخبرة المكتسبة، ويستمر بذلك حتى سن الـ80 إذا كان بصحة جيدة، وهذا ما أكدته مجلة نيو إنغلاند الطبية، وأيضاً ذكرت الدراسة أن متوسط سن المديرين التنفيذيين في الشركات العملاقة هو 62 عاماً، وأيضاً متوسط عمر الذين حصلوا على جوائز نوبل هو 62، وهذا يقودنا لأن نعيد تفكيرنا بسن التقاعد المعمول به في دولتنا، وفي العديد من دول العالم.

إن نظام التقاعد وفقاً للاشتراطات، التي فرضتها الهيئة العامة للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، قد أقر بأن سن التقاعد هو 60 سنة للرجل و55 سنة للمرأة، في حين أن الكثير من الدراسات تؤكد أن الإنسان عندما يكون في الستينيات من العمر، يكون في أوج العطاء الفكري، ويتمتع بالحيوية التي تكفي لأداء مهامه الوظيفية على أكمل وجه وبحكمة قد تغيب عن من هم دونه سناً، فهذا الإنسان الذي مر بتجارب وخبرات كثيرة سيتمكن اليوم من قيادة الفرق والمشاريع بكفاءة عالية.

لقد أوضح صندوق أبوظبي للتقاعد، أن نسبة التقاعد لأسباب طبية بلغت %1 فقط من أسباب التقاعد في إمارة أبوظبي خلال العام 2018، إذ بلغ عدد المتقاعدين لأسباب طبية (17) مواطناً فقط، وهذا يؤكد أن العمر وعدد سنواته لا يبت بشكل قاطع في اللياقة الصحية والبدنية للإنسان، ومن هنا يأتي وجوب إعادة النظر في سن التقاعد، وأن يستفيد من همم أبناء الوطن في النهوض بدولتنا ومؤسساتنا.

إن من الأفضل أن نستثمر في جيل الخبرات، وأن نستغل تجاربهم في ما هو أفضل لمستقبلنا، وأن نعيد تغيير الكثير من المفاهيم القانونية والتنظيمية الخاصة بعمر الإنسان، وحتى المفاهيم المجتمعية تلعب دوراً كبيراً في جعل عدد سنوات العمر هو المقياس للحيوية والعطاء، وللأسف، دائماً ما نقول الجملة القبيحة بحق شيّابنا «على حافة القبر»، وما أقساها من جملة وما أظلمه من تعبير يصف عمراً أثبتت جميع الدراسات والملاحظات أنه سن العطاء الفكري، بل سماه البعض بأنه بداية الحياة، نعم بداية الحياة المتوازنة الحكيمة القادرة على إدارة جميع الأمور حولها، سواء العمل المؤسسي أو الحياتي أو الاجتماعي.

صحيح أن قانون التقاعد لا يجبر أي شخص على التقاعد بسن الستين عاماً، لكن هذا القانون قد ساعد على وجود هذه الثقافة، وكأنه عند هذا العمر تنتهي الرحلة ويتوقف العطاء، وأصبح مجتمعنا يرى أنه قد حان الوقت للتوقف عن العمل، وأداء المهام الوظيفية والذهاب للبيت، مع أنه من الملاحظ أن الإنسان عندما يذهب إلى البيت يهرم سريعاً، بينما وهو في معترك الحياة تجده صلباً قوياً متحدياً لسنوات عمره بعطاء لا محدود وطاقة كبيرة، تقام على ظهرها الأوطان، وعلينا أن نستغل هذا العطاء، لأن نرتقي بمنظومة العمل في وطننا.

العطاء والكفاءة لا يقترنان بسن معينة، فالإنسان تقترن كفاءته بمقدار الخبرات والتعليم الذي اكتسبه خلال هذه السنوات، وبعد أن تقوم مؤسساتنا بتجهيز موظفيها، وتسلحهم بالعلم والمعرفة، وتؤمن لهم جميع السبل ليكونوا بأفضل كفاءة ممكنة يجب ألا ترمي بخبراتهم، وتفتح لهم الأبواب لترك العمل، بل تقدم لهم جميع المحفزات المطلوبة للبقاء في العمل، والاستفادة من حكمتهم وحسن تصرفهم وقدرتهم على الإدارة، لا أن تشجعهم على التقاعد والجلوس في البيت.

إن سن التقاعد يبقى مرتبطاً بالصورة الذهنية للمجتمع، ولذا علينا أن نعمل على تغيير هذه الصورة لكي يصل سن التقاعد لحدود الثمانين، أو ليصل إلى ما يصل إليه، ما دام الإنسان يتمتع بالقوة والحيوية ويريد هو أن يعمل حتى آخر يوم في حياته، وأنا أشجع تطوير منظومتنا، لتقدم بعض الاستثناءات لمن يصل فوق سن الستين، كعدم الحضور لمقر العمل بشكل يومي أو بعض الارتباطات المترتبة، بل أن نستفيد من خبراتهم بشكل مثالي بعيداً عن منظومة العمل التقليدية وأن نفكر بكل ما يمكن، وأن نخرج من الصندوق، للاستفادة من خبرات أبناء الوطن.

 

 

Email