الوزير المرافق

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرون هم الذين أتيحت لهم مرافقة أو رؤية ملوك ورؤساء دول ووزراء وشخصيات مهمة، نتابع أخبارها ونرى صورها في وسائل الإعلام، أو نقرأ عنها في كتب التاريخ والمذكرات والوثائق، ولكنْ قليلون هم الذين دوّنوا آراءهم ومشاهداتهم عن أولئك الذين رافقوهم أو واتَتْهم الفرصة، للجلوس معهم حول طاولة اجتماع أو مأدبة غداء أو عشاء أثناء زيارة رسمية أو خلال مؤتمر.

من الذين سجلوا انطباعاتهم عن أولئك الذين رأوهم عن قرب، الوزير والشاعر والأديب السعودي الدكتور غازي القصيبي، عليه رحمة الله، ونشر هذه الانطباعات في كتاب أطلق عليه «الوزير المرافق».

يذكّر الدكتور القصيبي في مقدمة الكتاب بما قاله في كتابه «حياة في الإدارة» عن مهام تأخذ الوزير، بين الحين والحين، من دوامة العمل الروتيني اليومي، أبرزها مرافقة الملك وولي العهد في الزيارات الرسمية، ومرافقة رؤساء الدول، الذين يزورون المملكة، والمساهمة في المؤتمرات المختلفة، قائلاً إنه خلال عمله في الوزارات، التي أسندت إليه كُلِّف بعدد كبير من هذه المهام.

وقد دوّن في الكتاب انطباعاته الشخصية عن عدد من رؤساء الدول والحكومات والوزراء، أتيح له أن يشاهدهم عن كثب، وحرص على أن تبقى هذه الانطباعات كما دونها أول مرة منذ سنين طويلة، دون أن يحاول تصحيح أو تعديل ما كتبه في ضوء التطورات اللاحقة.

يتحدث الدكتور القصيبي، عليه رحمة الله، في كل فصل من فصول الكتاب الاثني عشر عن شخصيات سياسية من بلدان مختلفة، رأى أصحابها عن قرب، ودارت بينه وبين أغلبهم حوارات في أوقات كانت الأوضاع السياسية فيها غيرها اليوم، وكوّن عنهم انطباعات عندما نعود إليها الآن نكتشف كيف كانت الأمور تُدار، وكيف كانت الدول تُحكم في ذلك الزمن.

من هذه الشخصيات على سبيل المثال الرئيسان الأمريكيان الأسبقان ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر، ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، ومستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق زبغنيو بريجينسكي، ورئيسة الوزراء الهندية السابقة أنديرا غاندي، والرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، والمستشاران الألمانيان الأسبقان هيلموت شميدث وهيلموت كول، والرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، والرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، والرئيس الأوغندي الأسبق عيدي أمين.

أسماء معروفة، كان لها دورها وتأثيرها في تاريخ دولها والمنطقة والعالم أجمع. تبدو صور بعضها من بعيد مبهرة، لكننا عندما نقترب منها نجد بعضها عادية جداً، وبعضها الآخر على خلاف ما نتوقع.

وقد كان سبر الدكتور غازي القصيبي لهذه الشخصيات عميقاً، وإن كانت آراؤه عنها لا تخلو من الانطباع الذاتي إذا ما وضعنا في الاعتبار الجانب الشخصي، الذي يترك على الرأي أثره، وإن كان هذا لا يعني البعد عن الموضوعية بدرجة كبيرة.

من المقارنات، التي عقدها الدكتور القصيبي بين الرئيسين الأمريكيين نيكسون وكارتر أن نيكسون كان مفرطاً في استعراض قوة الرئاسة وهيبتها، وكأنه كان يعوّض بقوة الرئاسة عن ثقته المتزعزعة، وكان كارتر مفرطاً في تواضعه، وكأنه كان يشعر في أعماقه أنه قد وصل إلى منصب لا يستحقه، وبالتالي لا يستحق ما يصاحبه من مظاهر وهالات.

أما عن رئيسة الوزراء الهندية الشهيرة أنديرا غاندي، التي يسميها سيدة الهند الحديدية، فيقول القصيبي: إن «الأصل» يختلف عن «الصورة»، ثم ينوه إلى أنه لا يقصد بـ«الصورة» معناها الفوتوغرافي المباشر، ولكنه يقصد ذلك «الانطباع العام»، الذي يتولد في الأذهان عبر السنين عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، والصحافة بوجه خاص، بينما كان انطباعه عن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية إيجابيا، عندما خدمه الحظ فوجد مكانه على يسار الملكة حول مائدتها في حفل الغداء، الذي أقامته للأمير عبد الله بن عبد العزيز، وكان وقتها ولياً لعهد المملكة العربية السعودية، أثناء زيارته للمملكة المتحدة عام 1984.

أما أطرف وأغرب ما يمكن أن تقرأه في الكتاب فهو ما كتبه القصيبي عن كل من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، الذي دار بينه وبين الوفد السعودي أثناء زيارة الملك خالد بن عبد العزيز، عليه رحمة الله، لليبيا حوار طويل حول السنة النبوية، والكتاب الأخضر، والنظرية الثالثة، وكذلك ما كتبه عن الرئيس الأوغندي الأسبق عيدي أمين، الذي لم تكن شخصيته أقل غرابة وطرافة عن شخصية القذافي.

تُرى ما الذي يمكن أن يخرج به أحدنا لو أتيح له أن يكون مرافقاً لإحدى شخصيات عصرنا هذا؟

 

 

Email