هل يُعادي أردوغان إسرائيل فعلاً؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

«إحياء آيا صوفيا من جديد، هي بشارة نحو عودة الحرية للمسجد الأقصى».

تلك هي التغريدة التي أطلقها الرئيس التركي أردوغان، عقب قرار المحكمة العليا في تركيا، بإلغاء قرار اعتبار آيا صوفيا متحفاً وإعادته ليكون مسجداً من جديد.

كثيرون كتبوا منتقدين سعي أردوغان ونظامه لتحويل آيا صوفيا من متحف إلى مسجد، لكن من لفت نظري في غالبية هؤلاء تغريدة لإعلامية في قناة «الجزيرة» القطرية المؤيدة لتركيا، حينما كتبت تقول: «عندما دخل المسلمون مدينة القدس، لم يحولوا كنيسة القيامة إلى مسجد، بل تركوها وحفظوا أهلها، ومن يقيم علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي لن يحرر المسجد الأقصى، وأخيراً فإن الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين وحدهم يقاومون تهويد القدس».

نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي دشنوا هاشتاغ «آيا ــ صوفيا» لكشف كذب أردوغان، وبلغت تغريداته أكثر من 5.1 ملايين تغريدة. أحد المغردين ويدعى قسيس قال: «الهالة الإعلامية والتسويق السينمائي بعد تغيير لافتة آيا صوفيا من كنيسة إلى مسجد يدفعك للجزم بأن أردوغانهم أغلق سفارة إسرائيل وأن طائراته النفاثة على أبواب غزة، استجابة لنداء حكومة حماس في غزة».

وتغريدة لمواطن عربي يدعى عبدالمنعم يقول فيها: «هناك خطابان متناقضان لأردوغان، الأول بالإنجليزية وموجه للغرب وإسرائيل، ويتحدث فيه عن احترام الأديان والحقوق والمسيحيين، ولا يشير فيه بأي كلمة من قريب أو بعيد للقدس أو الأندلس. أما في الخطاب الآخر فهو موجه لأنصاره في تركيا والعالم العربي والإسلامي، ويتحدث فيه عن البشارة بتحرير الأقصى والحنين إلي الأندلس، مخاطباً قطيعه بأنه سوف يستعيدها»!

ومن الواضح أن أردوغان اعتمد شعاراً رئيسياً أساسياً في علاقته مع إسرائيل يقوم على تبني خطاب شعبوي زاعق ومناقض لإسرائيل علناً، في حين أن علاقتهما «سمن على عسل» في أرض الواقع.

في 30 يناير 2009 كان أردوغان يشارك في ندوة عن الأوضاع في غزة على هامش منتدى دافوس الاقتصادي استمرت 75 دقيقة. هو انسحب في الدقيقة 73 طبقاً لرواية الأمين العام للجامعة العربية وقتها عمرو موسى، الذي قال إن انسحابه تم لأن مدير الندوة لم يعطه وقتاً كافياً للرد على مداخلة مطولة للرئيس الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز.

وانتهت القصة بعد ذلك بأيام حيث تبادل الاثنان محادثة هاتفية ودية.

والغريب أن دراويش أردوغان يعتبرون ذلك نصراً وفتحاً مبيناً سيعيد القدس.

في 31 مايو، كان الصدام الشكلي الآخر بين أردوغان وإسرائيل حينما أرسل أردوغان «أسطول الحرية» تتقدمهم الباخرة التركية آفي مرمرة، وعلى متنه 581 شخصاً، لكسر الحصار عن غزة. المشاركون كانوا من 37 بلداً معظمهم أتراك، وتبين أن جزءاً كبيراً منهم من كوادر جماعة الإخوان المسلمين، ووقتها لم يكن كثيرون يدركون العلاقة الخفية بين أردوغان والجماعة.

القوات الخاصة الإسرائيلية اقتحمت سفن القافلة في المياه الدولية للبحر المتوسط، واستخدمت الرصاص الحي، وقتلت حوالي 10 وأصابت آخرين، واعتقلت الجميع وخيّرتهم ما بين السجن أو الترحيل.

المنطقي أن يعلن أردوغان وقتها الحرب على إسرائيل أو على الأقل يقطع العلاقات معها، لكن انتهى الأمر في 22 مارس 2013 باعتذار بنيامين نتنياهو وتعهد بدفع 20 مليون دولار لأسر الضحايا، في المقابل السؤال لأنصار أردوغان هو: لماذا لا تسألوه أو تسألوا أنفسكم عن سبب عدم نجدته للشعب الفلسطيني المحاصر، خصوصاً جماعته في غزة، وما الذي يمنعه فعلياً من قطع العلاقات مع إسرائيل؟

الواقع مرير، لكن البسطاء للأسف ينخدعون بالشعارات. من بين الواقع المؤلم أن إسرائيل ظلت لفترة طويلة تصدر العديد من سلعها ومنتجاتها للعديد من الدول العربية عبر الوسيط التركي، وهو أمر كشفه إسرائيل كاتس الذي كان حتى فترة قريبة وزيراً للنقل والخارجية والاستخبارات الإسرائيلية.

يجعجع أردوغان وأنصاره كثيراً عن الأقصى والقدس لكن لم نر طحناً حتى الآن. هل يدرك البسطاء أن العلاقات التجارية بين البلدين يتعدى حجمها معظم التجارة البينية بين تركيا والدول الإسلامية.

ومن المفارقات أنه حينما حرك جيشه طوال سنوات حكمه، فلم تكن وجهته القدس السليبة، بل تارة يضرب ويغزو شمال العراق وتارة شرق الفرات وإدلب وحلب في سوريا، وأخيراً فإنه يرسل خبراءه ومرتزقته إلى ليبيا لنصرة حكومة الميليشيات الإرهابية. هو ربما لم يلاحظ أن القدس المغتصبة تقع في طريق مرور سفنه التي تتوجه كل يوم إلى ليبيا.

نريد من الذين يدافعون عن أردوغان أن يقدموا لنا أي دليل حقيقي بأنه يعادي إسرائيل فعلاً على أرض الواقع، وليس عبر البيانات الإعلامية فقط!

* رئيس تحرير صحيفة «الشروق» المصرية

Email