انتخابات سنغافورة على وقع تداعيات «كورونا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

توقع السنغافوريون أن تلجأ حكومتهم للدعوة إلى انتخابات عامة مبكرة (قبل موعدها في 14 أبريل 2021)، مستهدفة بذلك تعزيز شعبيتها على وقع نجاحها في محاصرة وباء كورونا المستجد الذي خلف 142 إصابة و23 وفاة في بلد مكتظ يسكنه نحو 5.5 ملايين نسمة.

وكان الاعتقاد أن خطوة كهذه هي أفضل وسيلة أمام حكومة رئيس الوزراء، لي هسين لونغ، من أجل الحفاظ على قوتها البرلمانية الكاسحة قبل أن يستشعر السنغافوريون الآثار السلبية الناجمة عن الوباء والتي أدت إلى حدوث أسوأ حالة كساد في تاريخ البلاد منذ استقلالها.كان هذا هو المتوقع في شهر أبريل المنصـــرم حينما صرح أحد رموز حزب العمل الشـــعبي الحاكم، الذي يقود سنغافورة من دون انقطاع منذ نيلها الحكم الذاتي عن بريطانيا عام 1959، قائلاً إن الوباء سيستمر معنا لأشهر طويلة أخرى، ولكنه لن يوقف مسيرتنا الديمقراطية.

لم يمر على هذا التصريح وقت طويل إلا وحدثت الانتكاسة في صورة تزايد عدد المصابين بكورونا بدليل وصوله إلى 36500 مصاب في مطلع شهر يونيو الماضي. فما الذي حدث؟

كانت تلك نتيجة طبيعية، ومشابهة لما حدث في أماكن أخرى من العالم. ذلك أن سنغافورة، التي حصدت إعجاب العالم لكيفية تعاطيها السريع مع الوباء، أهملت مراقبة ومتابعة ظروف عمالتها الأجنبية الفقيرة التي تعيش في مساكن مكتظة وظروف صعبة (بحسب تصريح لوزير الصحة السنغافوري فإن العمالة الوافدة البالغ عددها نحو 323 ألف شخص، هي المسؤولة عن %90 من حالات الإصابة).

هنا انقلب التصفيق لجهود الحكومة والحزب الحاكم إلى انتقادات من قبل مؤيدي أحزاب المعارضة، ولكن من دون أن تقول للسنغافوريين ماذا كانت ستفعل غير ما قامت به الحكومة لو أنها بالسلطة؟

والحقيقة أن أحزاب المعارضة السنغافورية، وعددها 12 حزباً صغيراً، أثبتت خلال كل الانتخابات العامة السابقة فشلها في نيل ثقة السنغافوريين، بدليل أن البرلمان الحالي الذي تمّ انتخابه سنة 2015 فيه للحزب الحاكم 82 مقعداً من أصل 105 مقاعد، ولا يوجد به تمثيل للأحزاب الأخرى سوى حزب العمال الذي يحتل 9 مقاعد فقط.

وبطبيعة الحال فإن مبررات إخفاقها جاهزة، ولا تختلف عن تلك التي يطلقها عادة أي حزب أمام جماهيره وقت فشله في تحقيق الفوز. غير أنه في الحالة السنغافورية يقرأ المتابع أشياء أخرى، مثل أن الحكومة عملت دوماً على إضعاف أحزاب المعارضة من خلال رفع الدعاوي ضدها في المحاكم لأقل هفوة، أو جر رموزها إلى القضاء بتهمة التطاول وبالتالي تكبيدهم غرامات كبيرة تؤدي إلى إفلاسهم وخروجهم من معترك العمل، أو التشدد في تطبيق قوانين حماية المجتمع من الأخبار ومعلومات «سوشيال ميديا» الكاذبة.

قد لا تكون هذه العوامل التي تسوقها المعارضة خاطئة بالمطلق. غير أن علة الإخفاق الرئيسة تكمن في تشرذمها وفي عدم قدرتها على طرح برامج جديدة مغرية للناخب السنغافوري، ناهيك عن عامل مهم آخر هو أن المواطن السنغافوري ــ بصفة عامة ــ بات ينظر إلى الديمقراطية الانتخابية وصراعاتها كترف، من بعد أنْ بنى له الحزب الحاكم خلال العقود الخمسة الماضية وطناً نموذجياً واقتصاداً قوياً ومستويات معيشية مرتفعة.

وإذا كانت جائحة كورونا اليوم قد أثرت سلباً في بعض تلك المنجزات، وكان لدى المعارضة ما تقدمه من معالجات فلتعمل لطرح البديل وتترك الحكم لصناديق الاقتراع في الانتخابات المبكرة التي دعت رئيسة الجمهورية حليمة يعقوب فعلاً إلى بدئها في يوليو الجاري.

لعل أكثر المشاهد إثارة في هذه الانتخابات هو انضمام الأخ غير الشقيق لرئيس الوزراء (لي هيسين يانغ) إلى حزب سنغافورة التقدمي المعارض والمشكل حديثاً والذي لم يسبق له المشاركة في الانتخابات من قبل، ولكن لي هسين يانغ (الابن الأصغر لمؤسس سنغافورة الحديثة لي كوان يو) لن يترشح لزعامة البلاد (لأنه لا يريد أن يرى «لي» آخر يقود سنغافورة بحسب تصريحاته)، حيث يـُعتقد أن للأمر علاقة بخلافات الأخوين الشخصية حول تركة والدهما الذي توفي عام 2015 فحسب.

وفي أولى حملاته الانتخابية، دعا رئيس الوزراء شعبه إلى تجديد الثقة بحزبه لمواصلة العمل من أجل سنغافورة أكثر تقدماً، ولقطع الطريق على حفنة من المغامرين الساعين إلى تخريب منجزات الوطن. ويعتقد المراقبون أن الحزب الحاكم إنْ فاز مجدداً (وهو المتوقع) سوف يعمد إلى تجديد دمائه من خلال تعيينات وزارية لمصلحة الجيل الرابع من رموزه ومنح منصب رئيس الحكومة إلى نائب رئيس الوزراء ووزير المالية الحالي «هينغ سوي كيت» بدلاً من «لي هسين لونغ» الذي يشغل المنصب منذ 2004 والذي صرح سابقاً أنه سيتقاعد قبل بلوغه السبعين في عام 2022.

Email