الإمارات .. الحَدَثُ والدلالة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بصدور تقرير الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية ومؤشر الخدمات الذكية والرقمية في الـ 10 من الشهر الجاري، واحتلال دولة الإمارات العربية المتحدة للمركز الأول عربياً وإقليمياً، وعلى مستوى غرب آسيا، والـ 8 على مستوى العالم، والتقدم عن مركزها السابق في المؤشر الرقمي لعام 2018، وبعد مقارنة محتدمة بين 193 دولة؛ تكون دولتنا المباركة قد حققت واحداً من أهم الإنجازات التي وضعتها نُصب عينيها، وعملت بجدٍّ واجتهاد في سبيل الوصول إليها، انطلاقاً من شعور راسخ بالثقة بالنفس، وبذل الجهد الصادق لتحقيق المركز الأول الذي لا تنظر الإمارات إلى غيره في جميع مسارات التنافس التي تخوضها ليكون ذلك النمط من التفكير جزءاً أصيلاً من شخصيتها الوطنية الإبداعية التي تنطلق أيضاً من الثقة بالإنسان الإماراتي، وتوفير جميع إمكانيات التحدي والتفوق في مقدّرات الدولة، فهي لا تعيش على الأمنيات والأحلام، بل تسعى إلى تحقيق الأهداف ضمن معادلة واضحة المعالم تتأسس على العمل وترسيخ فكرة التطور بل والتفوق واقتراح الأشكال الجديدة للحياة للنهوض بهذا الوطن الذي يستحق مزيداً من البذل والعطاء ومواصلة التقدم والارتقاء.

وتعبيراً عن الحفاوة بهذا الحدث المَهيب في تاريخ الدولة دوّن صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في حسابه على تويتر بعد أن ذكر المعلومات المتعلقة بهذه النتيجة فقال سموه: «المستقبل لمَنْ يتفوّق رقمياً» في إشارةٍ ذكية من صاحب السموّ إلى أنّ المسألة ليست مرتبطة بالحاضر فقط، بل هي الرهان على المستقبل، وهذا هو دأبُ القادة المستنيرين، الرهان الدائم على المستقبل، وفتح الآفاق الجديدة أمام الطلائع والأجيال القادمة، هو ما يؤمن به صاحب السموّ إيماناً عميقاً راسخاً عبّر عنه قبل بضع سنوات في كتابه الرائع المُلهِم «رؤيتي: التحديات في سباق التميُّز» حين ختم ذلك الكتاب البديع بفصل في غاية القوة والحيوية والوضوح سمّاه «الطريق إلى المستقبل»، حيث كان سموّه يرى بعين البصيرة الآفاق الباهرة التي تنتظر كل من يخطط لمستقبله، ويمتلك القوة والإرادة لتحقيق خطته، مؤكداً بحسب عبارته البليغة الدلالة الرهان على الإنسان حين قال: «لا الآلةُ ولا رأس المال يصنعان الازدهار، ويقهران المستحيل بل الإنسان»، وأنّ النجاح في هذا السباق يقتضي إعداد أجيالٍ مؤمنة بربّها، ثمّ مُدرِكة لالتزاماتها الوطنية ومؤهلة تأهيلاً على المستوى العالمي في مختلف التخصصات والمعارف الإنسانية المعاصرة من خلال تطوير مناهج التعليم، والارتقاء بمهارات المعلمين، وإتقان التعامل مع التقنيات الحديثة، وتوفير بيئة مدرسية تُحفّز البحث العلمي والابتكار، وتُوقد روح الإبداع طِبقاً لاستراتيجية متطورة قابلة للتطبيق تأخذ في الأولوية أهمية التعليم كركيزةٍ حيوية لمسيرة التنمية الشاملة.

وكان الاستبيان قد ركّز في هذه الدورة على دور الدول المشاركة ومدى إسهامها في خدمة أهداف الأمم المتحدة من خلال الشعار الذي تمّ رفعه لهذا العام: «لن نترك أحداً خلفَ الركب» في إشارة إنسانية إلى مدى التعاطف الجَمْعيّ مع مشكلات الإنسان وحاجات المجتمع إلى المساعدة، بحيث تسير المجتمعات الإنسانية في طريق الأمان المشترك من خلال التعاون المثمر مع برامج الأمم المتحدة التي تسعى إلى التخفيف من الفجوة الكبيرة بين واقع المجتمعات الغنية والفقيرة والمتقدمة والمتخلفة، فضلاً عن دور البرامج الرقمية في ردم الفجوة وتضييق المسافة بين الشرائح الاجتماعية في مختلف المجالات، ودور المجتمع بكل فئاته في الإسهام بتطوير الخدمات من خلال التفاعل الخلّاق مع البرامج الحكومية التي تعمل على إشراك الجمهور في تطوير الخدمات الأساسية والبرامج والسياسات التي تعود بالنفع على المجتمع بشكل عام.

وبخصوص هذا المؤشر الدولي فهو مؤشر مركّبٌ يتألف من مجموعة من المؤشرات الفرعية التي تتلخص في: «الخدمات الذكية، ورأس المال البشري، والبنية التحتية لقطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بالإضافة إلى مؤشر المشاركة الرقمية الذي هو جزءٌ من مؤشر الخدمات الذكية».

وبخصوص تجربة الإمارات فقد تمّ تسليط الضوء على مجموعة من الخدمات والتجارب الإماراتية المتميزة التي تعكس طبيعة التفاعل المتميز بين المؤسسات والجمهور المتفاعل، وكنموذجٍ على ذلك فقد أفرد المؤشر مساحة ملحوظة لتطبيق «رمّاس» الذي تمّ إطلاقه من هيئة كهرباء ومياه دبيّ، ويتلخص في تمثيله موظفاً افتراضياً يجسّد استراتيجية المؤسسة في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في جميع العمليات التي يحتاجها الجمهور، حيث يشتمل التطبيق على خاصية المحادثة الصوتية باللغتين العربية والإنجليزية، بحيث يتمكن المواطن من توجيه السؤال الشفهي والحصول على الإجابة بطريقة فورية، عِلماً أنّ مؤشر المشاركة الإلكترونية هو أحد المعايير التكميلية لإنجاز الاستبيان الذي تقوم به الأمم المتحدة ويتم قياسه من خلال المستويات الـ 3 التالية: مستوى توفير المعلومات، ثم مستوى المشورة الجماهيرية، وأخيراً مستوى اتخاذ القرار بناءً على معطيات المستويين السابقين.

ومن بين جميع الدول الأشقاء في الخليج وفي العالم العربي احتلت الإمارات المركز الأول عن جدارة واستحقاق، في إنجاز يستحق الفخر والتهنئة الخالصة لهذا الوطن الطيب المعطاء، والذي جاء بعد منافسة حادة بين عدد كبير من الدول، ليظل هذا الوطن معموراً برجاله الذين يسعون به إلى القمة في كل شيء، وتظل أغنيته الكبرى هي المركز الأول الذي لا بديل عنه.

Email