لا أحد يعرف ماذا بعد فيروس «كورونا» المستجد «كوفيد 19». يقولون إن العالم بعدها لن يكون هو العالم الذي كان قبلها. تحليلات اقتصادية متناقضة وسياسية ترسم للعالم صورة أحياناً تكون سوداوية وأحياناً بيضاء والأغلب ضبابية.ثمة من يقول إن نظاماً عالمياً جديداً تتم صياغته حالياً، بعد أن ملت الأرض من الجلوس على القرن الأمريكي الواحد لعقود بعد أن انكسر القرن السوفييتي وتفكك الاتحاد عام 1991. وثمة من يتنبأ بأن يكون القرن الآخر صينياً، حيث يستقطب حلفاء له فيما يستقطب القرن الأمريكي المنهك حلفاء أيضاً ويعود العالم إلى مرحلة الحرب الباردة التي بدأت بعد الحرب العالمية الثانية واستمرت حتى الانهيار السوفييتي.

إن حصل ذلك فإن أشياء وأموراً ومعتقدات كثيرة ستتغير سواء لجهة علاقات الدول ببعضها أو اقتصاداتها أو عاداتها اليومية والمجتمعية. فقد كانت مرحلة «كورونا» بروفة عملية وبوابة للدخول إلى «العالم الجديد».

هل سيكون هذا العالم أفضل أم أسوأ؟

لا أحد يعرف، المهم أنه سيكون. فالمنتجات الصينية دخلت كل بيت في العالم، وربما حتى البيت الأبيض، على حساب الأمريكية والأوروبية واليابانية. فقد شهد الاقتصاد الصيني قفزات مذهلة خلال الفترة السابقة؛ ففي عام 2000 تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين نظيره الإيطالي، وفي عام 2005 تجاوز نظيره الفرنسي، وفي 2007 تجاوز بريطانيا، وفي 2009 تجاوز اليابان، ليستقر بعد ذلك كثاني اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

لكن لـ«كورونا» تأثير كبير على مكانة الاقتصاد الصيني. فعلى الرغم من مسارعة بكين لتطبيق إجراءات صارمة من أجل الحد من تفشي الوباء، فإنها لم تتمكن من تلافي الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تطبيق تلك الإجراءات، إذ تضررت قطاعات اقتصادية هامة، أبرزها قطاع السياحة والطيران، ونظراً لارتباطها بأسواق عالمية في التصنيع والتصدير، أثَّر انتشار الفيروس وحالة فرض وقف الاستيراد والتصدير منها في نموها الاقتصادي بشكل كبير.

ويرجح العديد من الخبراء أن تفشي الفيروس قد يؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة تقارب 1.2٪، ويقدر الناتج المحلي للصين بنحو 13.6 تريليون دولار في عام 2018، بما يمثل نسبة %15.8 من الناتج المحلي العالمي، ومن هنا تشير كثير من التقارير إلى أن انتشار «كورونا» سيكون له تأثيرات كبيرة في الاقتصاد العالمي، ولذا خفضت الوكالة الدولية توقعاتها بنمو الاقتصاد الصيني إلى %4 مقابل %5.6 في توقعات سابقة للربع الأول من العام الحالي، وتتوقع (أوكسفورد إيكونومكس) انخفاض النمو الصيني إلى %5.4 خلال عام 2020، وهو الأدنى لها منذ عام 1990.

في مرحلة ما بعد «كورونا» سيحتاج العالم فترة للتأقلم مع الوضع الجديد. أما الشعوب الفقيرة والدول ذات الاقتصاديات الضعيفة فعليها أن.. تنتظر. ولا أدري لماذا أتذكر «غودو» صامويل بيكيت كلما وردت كلمة انتظار.

في مسرحيته الشهيرة «في انتظار غودو» فلاديمير واستراغون شخصيتان يجلسان على جانب طريق ريفي، حيث لا شيء سوى صخرة وشجرة جرداء لم تعد تصلح سوى كمشنقة، في هذا المكان الخارج عن المكان والزمان، ولشخصيات ليس لديها ما تفعله أو تقوله.. يحدث كل شيء. أبطاله آدميون مسنون عور وعرج وناس محطمون نفسياً، تغطي أجسادهم قطع من الخرق ويسكنون تحت شجرة جرداء أو في صفائح القمامة أو المصحات العقلية.

ما يميز شخصيات بيكيت الغموض، الصمت، الانتظار، القلق، الضغط النفسي والمعنوي. ويرى أن العالم لا معقول، ولا توجد أسباب لما يحدث حولنا.

سُئل مرة عن مسرحه العبثي فقال: الشيء غير المعقول هو وضع الإنسان في الكون، الذي نحن فيه كجزء من جزء صغير جداً من الذرات. والشيء العبثي، هو العلاقات غير المتوافقة. وبالتالي فإن الشيء غير المتناغم أو المتنافر وغير المنسجم هو وضع الإنسان مع نفسه المليئة بالمتناقضات، والتي يصعب التخلص منها بدون المعرفة.

لقد سيطر الغرب والسوفييت على عالم ما بعد الحربين العالميتين وقسموه إلى رأسمالي واشتراكي وعسكروه إلى حلفين: ناتو ووارسو. وكانت أغلب الشعوب هي الخاسر الأكبر من هذه القسمة. هل نحن أمام قسمة جديدة يستبدلون فيها الاتحاد السوفييتي بالصين؟

لسنا عبثيين كما بيكيت لكن حين تسأل أحدهم، أي أحد، سواء كان مسؤولاً أو شخصاً عادياً: ماذا تتوقع؟ إلى أين نحن ذاهبون؟ يجيبك: نحن بانتظار اعتماد علاج لفيروس «كورونا». ومتى يتوصلون للعلاج؟ عندما ينتهي فيروس «كورونا»!!

* كاتب أردني