الاختبار

ت + ت - الحجم الطبيعي

توجه حكومة الوفاق الوطني الإسرائيلية نحو ضم زهاء ٣٠٪ من أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة، شاملة منطقة غور الأردن، في يوليو المقبل، أشعل تناظراً أوروبياً محموماً على المستويين القومي والاتحادي، بشأن ما ينبغي اتخاذه إذا ما طبقت هذه الخطوة.من حصيلة التواصل الدبلوماسي المكثف والرسائل المتبادلة، سراً وعلانية بهذا الخصوص، يبدو أن معظم الأوروبيين أقرب إلى رفض التوجه الإسرائيلي، باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي وضاراً إلى أبعد التصورات بفرص تسوية القضية الفلسطينية وحل الدولتين.. بل ربما أدى إلى انتكاس مسيرة السلام بين الإسرائيليين والعرب.

بعض الدول الأوروبية، كفرنسا وأيرلندا والسويد وبلجيكا وإسبانيا ولوكسمبورغ، لا ترى الاكتفاء بتسجيل هذا الموقف النظري الذي يراوح في دائرة التعبيرات السلبية التقليدية، وتعتقد أنه يجب التلويح بإجراءات عقابية «تردع إسرائيل عن قرار الضم»..

ولكن هذه النقلة النوعية، التي تتجاوز سياسة التحذير الناعمة إلى موقف أكثر خشونة وحزماً وفعالية، لا تلقى الإجماع المطلوب لتنفيذها عملياً على الصعيد الاتحادي.. فدول مثل تشيكيا والمجر تأبى فكرة العقوبات من أساسها، وهناك ما يؤكد احتمال استخدامها لحق النقض ضد أي اقتراح يتطلب الإجماع.

هذا التشاكس والخلاف بين الاتحاديين يعيدنا إلى مربع النواقص، التي أعاقت خروج بروكسل على الخلق بسياسة فلسطينية موحدة لنحو أربعين عاماً.. وذلك علاوة على المحددات الأخرى لهذه الإعاقة، كمستوى تبعية أعضاء الاتحاد للمعلم الأميركي في الخارج، وحجم التغلغل الصهيوني في أحشاء نخب الحكم والسياسة وصناعة القرار في الداخل.

ومما يثير الدهشة في إطار هذا الجدل، أن القوى الغاضبة المتبنية للرفض الصريح، التي تميل للتهديد بعصي العقوبات، تبذل جهداً جهيداً لمنع إسرائيل من اتخاذ قرارها العتيد. وهي بمساعيها هذه إنما تستهدف تجنب الوقوع من الأصل في اختبار صدقية ما تلوح به.

ولا تفسير لدينا لهذه الحيرة سوى أن هذه القوى لم تتخلص بعد، ولا هي بصدد التخلص، من الأحانين التاريخية والأيديولوجية ولا من الروابط العاطفية والعضوية، التي تشدها إلى إسرائيل.

بكلمات أخرى، ليس لدى جبهة الرفض الأوروبية لقرار الضم والتوسع المشؤوم، رغبة ملحة في دخول امتحان معاقبة إسرائيل. يقول جوزيف بوريل القائم بأعمال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي إن «بروكسل تخشى هذا الامتحان بالنظر إلى الانقسام بين مواقف الأعضاء».

وكانت الهولندية سوزانا تيرستال المبعوثة الخاصة للاتحاد في الشرق الأوسط أكثر صراحة، عندما ذكرت في تقرير رفعته لوزراء الخارجية الأوروبيين لا نية لدى الدول الأعضاء في معاقبة إسرائيل إذا ضمت أجزاء من الضفة المحتلة. غير أن الدبلوماسية الفرنسية بالذات، الرائدة والفاعلة بقوة في أروقة الاتحاد، تظهر شيئاً من الحسم في هذا السياق، إذ أكدت على لسان وزير الخارجية جان ايف لودريان أن قرار الضم لن يمر من دون عواقب على العلاقات الأوروبية الإسرائيلية.

في كل حال، لن تتجلى حصيلة هذا المشهد الأوروبي المعقد، ولا سيتضح على أي جنوبهم سيميل الأوروبيون قومياً واتحادياً، إلا بفعل تصرف الإسرائيليين مع قرار الضم على أرض الواقع. وليس من المستبعد أن تلجأ تل أبيب إلى تجميد القرار أو تأجيل تنفيذه. هذا ليس فقط تجنباً لأزمة لا تعرف مآلاتها مع الشركاء الأوروبيين، وإنماً أيضاً لتهدئة العواصف التي ينذر بها تفعيل القرار من أربع جهات الدنيا..

ويقال إن الظهير الأميركي ذاته، وعلى الرغم من تأييده للقرار، إلا أنه يفضل خيار التأجيل لأسباب ليس هنا موضع التفصيل فيها، وأن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أبلغ عن ذلك في زيارته الاستثنائية الخاطفة لإسرائيل في مايو الماضي. الشيء المؤكد أن الأوروبيين يتابعون جدياً وعن كثب ما تنوي إسرائيل فعله بقرارها في يوليو المقبل..

وأنهم سوف يتنفسون الصعداء في حال تم تأجيل تطبيق القرار أو تجميده أو إلغاؤه. ولأن الإسرائيليين يجيدون المساومة، فقد يقايضون أو يطلبون ثمناً لقاء انحيازهم لأي من هذه البدائل. أما إن مضى الأخيرون قدماً في عملية الضم، فسوف يكون الأوروبيون وسواهم من المنكرين والمستنكرين لهذه العملية، أمام أمر عسير وامتحان شديد الصعوبة وجهاً لوجه.

*كاتب وأكاديمي فلسطيني

 

Email